الوجود الروسي في سوريا الأهداف المعلنة وغير المعلنة

الوجود الروسي في سوريا: الأهداف المعلنة وغير المعلنة

الوجود الروسي في سوريا: الأهداف المعلنة وغير المعلنة

 العرب اليوم -

الوجود الروسي في سوريا الأهداف المعلنة وغير المعلنة

أمير طاهري
بقلم - أمير طاهري

أي متابع للمشهد السياسي داخل الجمهورية الإسلامية الإيرانية سيلحظ شعوًرا سائًدا بالحرج الغاضب إزاء قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «سحب القوات من سوريا»٬ الذي يمثل أحدث الحيل التي أخرجها من جعبة الخدع السحرية لديه. والواضح أن طهران ودمشق ليس لديهما أدنى فكرة عن كيفية التكيف مع هذه المفاجأة.

في كلا البلدين٬ اضطرت وسائل الإعلام المملوكة للدولة للانتظار عدة ساعات قبل الإعلان عن القرار الذي اتخذه بوتين٬ وحتى لدى الإعلان عن الخبر جاءت صياغته متحفظة. وفجأة٬ بدا كل الحديث عن الحلف الروسي ­ الإيراني الذي يعمل في تناغم لدحض «الإرهابيين» داخل سوريا ويقصي الولايات المتحدة وحلفاءها بالشرق الأوسط٬ أشبه بمجرد ثرثرة طفولية.

ومع ذلك٬ فإن البعض منا كان مدرًكا منذ اللحظة الأولى أن تدخل بوتين في سوريا لم يكن من أجل عيون الأسد ولا آيات الله٬ وإنما من أجل مصالحه الخاصة فحسب. وهذا تحديًدا ما كتبته في عمود نشرته هذه الصحيفة بتاريخ 30 أكتوبر (تشرين الأول) ٬2015 وذكرت في مقالي أنه٬ «في اللحظة الراهنة٬ لا يمكن لأحد معرفة على وجه اليقين أين سينتهي التدخل الروسي في سوريا٬ ذلك أن خوض الحروب غالًبا ما يكون سهلاً٬ بينما دائًما ما يكون الخروج عسيًرا.

وإذا اعتمدنا على التصريحات الصادرة من موسكو٬ سنجد أن الهدف الروسي هو الحيلولة دون سقوط الرئيس بشار الأسد المحاصر. وبغض النظر عن مدى إمكانية تحقيق هذا الهدف
فعلًيا٬ فإنه من الأفضل للأسد عدم الثقة بمثل هذه الاحتمالية».

وعلى امتداد الجزء الباقي من المقال٬ استعرضت أمثلة للخيانة الروسية في التعامل مع حلفاء «أنقذتهم» موسكو أو حتى فرضتهم على بلادهم٬ ثم تخلت عنهم بكل بساطة.

من جهته٬ أعلن بوتين عدًدا من الأهداف وراء تدخله في سوريا. وتدعي حاشيته أنه عندما بعث قواته الجوية لقصف حلب٬ كان الأسد على وشك الانهيار٬ حيث كان قابًعا داخل ملاذه الدمشقي٬ عاجًزا عن استعادة أي من المناطق التي فقد السيطرة عليها٬ في الوقت الذي كان أعداؤه عاجزين فيه عن الاستيلاء على آخر معاقله.

ومع ذلك٬ فإن تدخل بوتين لم يمنح الأسد بوليصة تأمين على الحياة ­ حقيقة انعكست على التصريحات الروسية الأخيرة حول أن موسكو غير ملتزمة بالضرورة بإطالة فترة بقاء نظام الأسد. من جانبه٬ شدد ألكسندر بورتنيكوف٬ رئيس خدمة الأمن الاتحادية الروسي٬ على أن تدخل بلاده في سوريا لم يكن بهدف دعم الأسد٬ وإنما «محاربة الإرهاب». وكثيًرا ما أشار بوتين والمحيطون به إلى «هزيمة وتدمير الإرهاب» في سوريا باعتباره هدفهم. إلا أن ذلك أيًضا لم يتحقق.

في الواقع٬ لم تقم موسكو بأي تحرك ضد تنظيم داعش٬ الذي احتفظ بكامل المناطق التي يسيطر عليها داخل سوريا٬ ولم يتكبد خسائر إلا بالعراق. من جهته٬ اعترف نيكولاي بانوف٬ نائب وزير الدفاع٬ الثلاثاء٬ بأنه «ما يزال من المبكر للغاية الحديث عن الانتصار على الإرهاب».

في المقابل٬ شنت روسيا غارات قصف بالغة الوحشية ضد الجماعات الأخرى المسلحة المناهضة للأسد٬ بما في ذلك التي يفترض أنها جزء من عملية التفاوض.لاوحتى على هذا الصعيد٬ لم تفلح روسيا إلا في إلحاق أضرار طفيفة بـ«جبهة النصرة» و«أحرار الشام» وما يزيد على عشرين جماعة مسلحة أخرى٬ ما ترك سوريا في صورة خليط من «إمارات» متباينة تتمتع كل منها باستقلال ذاتي.

أما الهدف الثالث المعلن لروسيا٬ وإن كان لم يجر التصريح به سوى همًسا٬ فهو تحويل حقوق إرساء السفن التي تحظى بها داخل ميناء طرطوس السوري المطل على البحر المتوسط٬ إلى قاعدة جوية ­ بحرية دائمة. وقد أخفق بوتين في تحقيق هذا الهدف أيًضا.

ويكمن السبب وراء هذا الإخفاق في أن القاعدة المعرضة طيلة الوقت لهجمات من المنطقة الخلفية لها٬ لا تحمل أهمية استراتيجية تذكر. في إطار حرب كبرى تشارك بها قوى كبرى من حلف «الناتو»٬ فإن البحرية الروسية ستضطر للتفاوض للمرور عبر الكثير من المضايق في طريقها من بحر أزوف وجزيرة القرم٬ مروًرا بالبحر الأسود٬ ووصولاً إلى بحر إيجه٬ قبل الدخول إلى البحر المتوسط والاستقرار في طرطوس. أما في إطار الحروب غير المتكافئة٬ فإنه قد تصعب حماية طرطوس٬ ناهيك عن الاستعانة بها كنقطة انطلاق رئيسية بأي من المواجهات الاستراتيجية.

بمعنى آخر٬ مني بوتين بالفشل في تحقيق أي من الأهداف الثلاثة التي أعلنها لدى إرساله قواته الجوية إلى سوريا التي حولت أجزاء منها إلى تلال من الركام والحطام أثارت في ذاكرة المرء مشاهد غروزني أو كابل بعد القصف الروسي. في خضم ذلك٬ سقط على يديه آلاف القتلى من المدنيين السوريين٬ وتسبب في دفع أكثر من 100.000 آخرين إلى الفرار من ديارهم.
والملاحظ أن روسيا ذاتها تكبدت خسائر فادحة٬ بينها 700 قتيل على الأقل بينهم جميع ركاب وأفراد طاقم طائرة نفاثة أسقطها إرهابيو «داعش».

كما أصيب مئاتآخرون٬ بعضهم يعاني من إصابات خطيرة. وبذلك يتضح أن التدخل الروسي لم يفلح في تحقيق أي مكاسب ملموسة لموسكو أو أي طرف آخر على الأرض.

الآن٬ ماذا عن الميزات غير الملموسة التي ربما حققتها سياسة بوتين لروسيا؟ بالتأكيد ساعد تدخل بوتين في سوريا على نسيان الجميع مع جرى في القرم٬ على الأقل في الوقت الراهن. وبفضل فن تبديل عناوين الصحف الرئيسية٬ نسي الرأي العام العالمي الحيل التي مارستها روسيا ضد استقلال أوكرانيا ووحدة أراضيها.

كما لم يعد أحد يتذكر أن روسيا ما تزال تحتل 25 في المائة من أراضي جورجيا.

كما ساعد التدخل في سوريا بوتين على الترويج لنفسه باعتباره قائًدا قوًيا على استعداد لحماية حلفاء موسكو٬ على النقيض من باراك أوباما الضعيف الذي تخصص في طعن حلفاء بلاده في الظهر.

من بين الأهداف الأخرى غير المعلنة الأخرى وراء التدخل الروسي في سوريا رغبة بوتين في إبطاء٬ إن لم يكن وقف٬ مسيرة طهران نحو تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة في أعقاب ما يطلق عليه الاتفاق النووي. وقد أعطى تدخل بوتين في سوريا للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية٬ علي خامنئي٬ فرصة التسويق لاستراتيجيته القائمة على فكرة «التطلع شرًقا»٬ في مواجهة التوجه الداعم للانفتاح على الولايات المتحدة الذي يتزعمه فصيل رفسنجاني المنافس.

وداخل سوريا ذاتها٬ ربما حمل تدخل بوتين وراءه هدًفا آخر غير معلن: تجديد الاتصال المباشر بالمؤسسة العسكرية السورية على المستويات المتوسطة والعليا. يذكر أن معظم القادة العسكريين السوريين تلقوا تدريبهم بالاتحاد السوفياتي السابق٬ لكن فقدوا الاتصال بموسكو منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. ووفرت الأشهر الستة الأخيرة لروسيا فرصة تجديد الاتصال معهم٬ وبالتالي كسب صوت مهم في تقرير الشكل المستقبلي لسوريا٬ إذا ما نجحت الدولة المنهارة في جمع أشلائها مجدًدا.

ومما سبق يتضح أنه رغم إخفاق بوتين في تحقيق أهدافه المعلنة٬ فإنه ربما نجح في تحقيق ­ على الأقل ­ بعض الأهداف الأخرى غير المعلنة.

arabstoday

GMT 04:48 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتخابات الأميركية والألبوم العائلي القديم

GMT 00:22 2024 الجمعة ,28 حزيران / يونيو

بناء الجدران يصل إلى إيران

GMT 00:01 2024 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

فرنسا: نحو عام من الضباب؟

GMT 00:15 2024 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

أوروبا بين الأمل والخوف

GMT 00:49 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

تداعيات خطة بايدن لوقف الحرب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الوجود الروسي في سوريا الأهداف المعلنة وغير المعلنة الوجود الروسي في سوريا الأهداف المعلنة وغير المعلنة



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 19:14 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك سلمان بن عبد العزيز يفتتح مشروع قطار الرياض
 العرب اليوم - الملك سلمان بن عبد العزيز يفتتح مشروع قطار الرياض

GMT 18:57 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

العين قد تتنبأ بالخرف قبل 12 عاما من تشخيصه
 العرب اليوم - العين قد تتنبأ بالخرف قبل 12 عاما من تشخيصه

GMT 12:55 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح
 العرب اليوم - دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
 العرب اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 13:18 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

قطر ترحب بوقف النار في لبنان وتأمل باتفاق "مماثل" بشأن غزة

GMT 01:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يستهدف مناطق إسرائيلية قبل بدء سريان وقف إطلاق النار

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab