أوروبا بين الأمل والخوف

أوروبا بين الأمل والخوف

أوروبا بين الأمل والخوف

 العرب اليوم -

أوروبا بين الأمل والخوف

بقلم - أمير طاهري

أثارت نتائج الانتخابات الأوروبية، التي جرت الأسبوع الماضي، نمطين مميزين من ردود الأفعال من قبل المحللين السياسيين بالقارة العجوز.

يمكن وصف أحد ردود الفعل بأنه خيار النعامة، حيث يدفن المرء رأسه في الرمال، ويتضرع إلى السماء كي تمر العاصفة بسلام. أما الخيار الآخر فيمكن وصفه بالمروع، ويشير إلى الفرسان الأربعة المخيفين الذين يمتطون صهوة خيولهم ويتحركون عبر الأفق.

من جهته، يشير أعضاء حزب النعامة إلى أنه رغم النجاحات التي أحرزتها أحزاب اليمين المتطرف، سيظل برلمان الاتحاد الأوروبي المقبل تحت سيطرة يمين الوسط، والجماعات الديمقراطية الاجتماعية العالقة في الماضي، والمصممة على الحفاظ على الوضع الراهن.

في المقابل، يحذر المحللون المرتبطون بالخيار المروع، من أن موجة من الفوضى تلوح في الأفق، حتى إن البعض يزعم أن شبح الفاشية يعود إلى أوروبا.

وتعد انتخابات الأسبوع الماضي الأحدث في سلسلة من الأحداث التي كشفت النقاب عن بعض المشكلات البنيوية التي يعانيها الاتحاد الأوروبي، دون طرحها كقضية رئيسية في نقاش واسع النطاق حول المستقبل.

وتكمن واحدة من هذه المشكلات في ميل الاتحاد الأوروبي المتنامي نحو الفيدرالية ـ رغبة خفية لم يعترف بها من قبل قط، رغم أنها رسمت المسار العام للاتحاد منذ أيام جاك ديلور.

في الواقع، نجد أن أوروبا، ونعني بها الأجزاء الغربية والشمالية من القارة، استفادت من التنوع في الهياكل السياسية والثقافية، عبر ترحيبها بأنماط مختلفة من التفكير والاعتقاد وإنجاز الأشياء.

في المقابل، ظلت الأجزاء الشرقية من القارة، التي تهيمن عليها الإمبراطورية الروسية، عالقة في الزمن، من خلال تعزيز النمط الواحد باسم الوحدة.

من ناحيتهم، يصف الكثير من منتقدي الاتحاد الأوروبي أنفسهم بأنهم من دعاة السيادة، ويعارضون فكرة الدولة الأوروبية العظمى، باعتبارها نسخة جديدة من الإمبراطورية.

إلا أنهم يغفلون سمة أساسية للدولة الأوروبية ذات السيادة الكلاسيكية، وهي انفتاحها على المهاجرين ومختلف الأفكار والتيارات الثقافية والأديان.

ويرفض أنصار السيادة في العصر الحديث فكرة الإمبراطورية المغلقة، لكنهم يأملون في حكم الدولة القومية، باعتبارها إمبراطورية صغيرة منغلقة على نفسها. وداخل ما لا يقل عن نصف الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، البالغ عددها 27 دولة، أسس أنصار السيادة خطابهم القائم على الخوف من «الاستبدال العظيم»، على الادعاء بأن الهجرة الجماعية تعمل بشكل أساسي على تغيير التركيبة العرقية الجينية للسكان الأوروبيين.

ووفقاً لبعض الدراسات، يتقاسم الكثير من الأوروبيين من أبناء الجيلين الثاني والثالث من خلفيات مهاجرة، هذا الخوف. جدير بالذكر أنه في فرنسا، نجد أن النجم الصاعد للحركة السيادية، «التجمع الوطني»، جوردان بارديلا، مهاجر إيطالي من الجيل الثاني. وفي الدول الإسكندنافية، يعد الجيل الثاني من المهاجرين الأتراك والأفغان من بين أكثر المتشددين نشاطاً في مكافحة الهجرة.

وتكمن المفارقة في أن هذا التصاعد في المشاعر المناهضة للمهاجرين يأتي في وقت بلغ صافي الهجرة إلى الاتحاد الأوروبي أدنى مستوياته منذ أكثر من عقدين.

وفي حين تشكل الجماعات المناهضة للإسلام و/ أو المسلمين جزءاً من الدائرة المناهضة للهجرة، فإننا نشهد كذلك ظهور ما يمكن أن نطلق عليه «الإسلاموفيليا» داخل أوساط جماعات يسارية متطرفة.

وأثناء جولة عبر عدة مراكز اقتراع بباريس، الأحد الماضي، رأينا مجموعات من المتشددين اليساريين المتطرفين يرفعون الأعلام الفلسطينية، ويرتدون الكوفيات، ويطالبون بدعم مرشحي «فرنسا الأبية» الموالين لبوتين، والذين تدعو ملصقات حملتهم الانتخابية إلى «وقف فوري لإطلاق النار في غزة».

وفي أول مظاهرة حاشدة ضد فوز حزب «التجمع الوطني» في الانتخابات، تجمّع آلاف المناضلين «التقدميين» في ساحة الجمهورية «للدفاع عن القيم الفرنسية». ومع ذلك، لم يكن هناك عَلم فرنسي واحد في الأفق. وبدلاً عن ذلك، ظهرت غابة من الأعلام الفلسطينية، تحمل شعارات ضد قيادة الاتحاد الأوروبي، والرئيس الأميركي جو بايدن، وبالطبع بنيامين نتنياهو.

وبذلك نجد أن الاتحاد الأوروبي يتعرض لهجوم من قِبل كل من اليمين المتطرف واليسار المتطرف، في حين ينحسر يسار الوسط، ويغازل يمين الوسط جماعات اليمين المتطرف.

في الواقع، تواجه الديمقراطيات الأوروبية الخطر الذي حذر منه هوبز قبل قرنين: إعدام الطاغوت، أي الدولة، عبر إلحاق آلاف الجروح بها.

لقد كشفت الانتخابات الأخيرة للاتحاد الأوروبي أمراً واحداً على الأقل: أن الاتحاد أصبح يفتقر إلى الشعبية على نحو متزايد. وتحت ضغط متزايد من الأطراف الهامشية من اليمين واليسار، استمر الاتحاد في بعض السياسات التي تسببت في فقدانه شعبيته من الأساس.

وجراء الحرب التي تبدو دون نهاية في أوكرانيا، ولهيب التضخم، والفشل في إعادة تعريف العولمة، وإغراءات القومية الاقتصادية، والشكوك التي تخيم على التحالف مع الولايات المتحدة، والعجز عن تحديد ما إذا كانت الصين شريكاً واعداً أم مصدر تهديد، ناهيك عن سلسلة من فضائح الفساد ـ دفعت جميعها الاتحاد الأوروبي باتجاه وضع صعب.

من جهتهم، لم يحصل الفرنسيون المؤيدون للانسحاب من الاتحاد الأوروبي سوى على ما يزيد قليلاً عن واحد في المائة من الأصوات، الأحد الماضي. ومع ذلك فإن القائمة «الأوروبية» الوحيدة المتحمسة، بقيادة الاشتراكي رافائيل جلوكسمان، لم تصل الأصوات التي حصلت عليها لمستوى 14 في المائة ـ أمر جدير بالكتابة عنه.

في الإجمال، لا يبدو الوضع جيداً للاتحاد العجوز.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوروبا بين الأمل والخوف أوروبا بين الأمل والخوف



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 17:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان
 العرب اليوم - الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 19:28 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 09:52 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تشوّق جمهورها لمسرحيتها الأولى في "موسم الرياض"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab