الانتخابات الأميركية والألبوم العائلي القديم

الانتخابات الأميركية والألبوم العائلي القديم

الانتخابات الأميركية والألبوم العائلي القديم

 العرب اليوم -

الانتخابات الأميركية والألبوم العائلي القديم

بقلم : أمير طاهري

على مدى عقود، على الأقل، حتى الأيام الأولى من القرن الحالي، سادت مقولة تُنسب إلى فرقة فودفيل، من القرن التاسع عشر، غالباً ما تستخدم لتقييم المزاج السياسي السائد بأميركا المتوسطة: «انظر كيف تسير الأمور في بيوريا!».

سمعت هذه العبارة للمرة الأولى عام 1974، من توماس فيليب (تيب) أونيل، رئيس مجلس النواب السابع والأربعين، في واشنطن العاصمة. وفي إجابته عن أسئلة حول السياسات المحتملة التي قد تنتهجها الولايات المتحدة حيال قضايا مختلفة، قال: «يتعين علينا أن نرى كيف تسير الأمور في بيوريا».

أما السياق الضمني، فكان أن بيوريا، بلدة صغيرة من دون معالم مميزة في ولاية إلينوي، تمثل المزاج السائد على مستوى أميركا. ومع ذلك نجد أنه على أرض الواقع، لطالما كانت بيوريا مؤيدة للديمقراطيين، وشكلت بذلك نقطة زرقاء في محيط من اللون الأحمر الجمهوري.

وأظهرت الحملة الانتخابية الرئاسية الحالية التي تنتهي الثلاثاء المقبل، أن مفهوم وجود «أميركا وسطى»؛ بمعنى أميركا تشكل أرضاً وسطاً، قد يكون خيالاً بقدر ما كان البطل في قصة قصيرة لإسحاق أسيموف، من المفترض أن يمثل الأميركي النموذجي، وهو عبارة عن مزيج من الهويات والتطلعات المختلفة التي تصوغ معاً شكل هذه الأمة العظيمة.

وتحولت «المدينة الوسطى» المثالية إلى موضوع دراسة اجتماعية مبكرة، في ثلاثينات القرن العشرين، أجراها هيلين وروبرت ليند اللذان حاولا تحديد المكونات الرئيسية لـ«بوتقة الانصهار». وتزامن ذلك مع صدور أول استطلاعات رأي وطنية، نظمتها مجلة «ليتراري دايجست».

بعد ذلك، ألهمت القصة فيلماً من بطولة جيمس ستيوارت وجين وايمان بعنوان: «المدينة السحرية». وصور الفيلم «أميركا الوسطى» المثالية، حيث يعشق الجميع فطيرة التفاح، ويؤمنون بقيمة الأمومة، ويرتادون الكنيسة أيام الأحد، ويعملون بجد، ويعيشون حياة بسيطة، ويسهمون في الصالح العام. واحتضنت المدينة عدداً متساوياً من الديمقراطيين والجمهوريين. ورغم الحضور النشط للنساء، فإن وجودهن بقي محصوراً دائماً في ظل الرجال. وخلف كل رجل عظيم امرأة.

إذا انتقلنا إلى أنماط التصويت في الهوية الأميركية، فيمكننا القول، بشكل عام، إن هناك ثلاثة وجوه لأميركا، أو ثلاث «أميركات»؛ تتألف الأولى من الولايات المطلة على المحيطين والبحيرات العظمى، في حين تغطي الثانية الولايات الداخلية، إضافة إلى تكساس وفلوريدا. وتنتمي الكتلة الثالثة إلى ست أو سبع ولايات يطلق عليها الولايات المتأرجحة.

وتعتبر نائبة الرئيس كامالا هاريس، بمثابة حاملة لواء الكتلة الأولى، في حين يتحدث الرئيس السابق دونالد ترمب نيابة عن الكتلة الثانية.

والملاحظ أن أميركا القريبة من المياه، تنظر إلى أميركا الداخلية بشيء أقرب إلى الازدراء. وكثيراً ما تكرر هاريس عبارة: «هذا ليس نحن!».

وعلى امتداد العقد الماضي أو نحو ذلك، جرى نشر أكثر عن عشرة كتب، بينها كتاب لتوماس فرانك بعنوان: «ما مشكلة كانساس؟»، وكتاب روبرت ووثون بعنوان: «المتخلفون عن الركب: الانحدار والعرق بالمدن الصغيرة في أميركا»، والذي عرض حجج هاريس من خلال تقديم صورة قاتمة للمناطق الداخلية في الولايات المتحدة، مع انتشار صفات كـ«الهامشي» أو «المنسيّ» مثل قصاصات الورق الملونة.

ويلمّح المؤلفان إلى أن الأميركيين «المتخلفين عن الركب»، فاتتهم بطريقةٍ ما حافلة التقدم البشري. لا يشارك «المتخلفون عن الركب»، التقدميين من أبناء الحضر مخاوفهم، مثل تحويل التغييرات المناخية إلى عقيدة شبه دينية، وقرع طبول سياسات الهوية، وقضايا التحول الجنسي، والخوف من الهجرة غير الشرعية الجماعية. إلا أنه في الواقع، لا يعترف «التقدميون» أنفسهم بشرعية مثل هذه المخاوف، من دون تبريرها بالضرورة، بل يستشهدون بـ«الهستيريا البيضاء غير العقلانية»، وكراهية الأجانب، والجهل، والعنصرية، وكذلك الفاشية، وكأن المخاوف الحقيقية يمكن دفعها جانباً بمجرد استخدام مثل هذه المصطلحات.

أما دونالد ترمب، فيبقى مختبئاً في الخلفية كشخصية شيطانية، نسجت العديد من المخاوف غير المترابطة، لصياغة سرد يتردد صداه في صفوف أولئك الذين فاتتهم حافلة التقدم الفكري البشري.

من جهته، انتقم معسكر ترمب بإلقاء التسميات على «أميركا الأخرى». وبذلك أصبحت هاريس شيوعية متخفية، تماماً مثلما كان باراك أوباما معجباً سرياً بجماعة الإخوان المسلمين. واللافت في هذه الانتخابات، أن عدداً كبيراً من كبار أعضاء الحزب الجمهوري غيّروا ولاءاتهم، لدفع قطار ترمب بعيداً عن المسار، وبالتالي أعادوا من دون قصد منهم رسم حدود معالم الحرب الثقافية، إلى ما هو أبعد من لون البشرة والخلفيات الدينية والميل الآيديولوجي، الأمر الذي ربما ساعد ترمب بالفعل.

إن الانتخابات الحالية تذكّر بعض المراقبين بحقيقة، مفادها أن الولايات المتحدة، في حقيقتها، نظام جمهوري أكثر منها نظاماً ديمقراطياً، حيث تكون جميع الأصوات متساوية القيمة، من الناحية النظرية على الأقل، ويحدد العدد الأكبر من الأصوات الأجندة. نظرياً، تتمتع الولايات المتحدة بنظام متعدد الأحزاب، إلا أنه على صعيد الممارسة العملية، على مدى العقود القليلة الماضية على الأقل، بدا الأمر كما لو كانت 43 ولاية تنتمي إلى حزب واحد فعلياً، في حين تتأرجح الولايات السبع المتبقية بين حزبين.

في الواقع، تكمن قوة النظام الأميركي في حقيقة أن هياكل الجمهورية تفرض حدوداً على التمرد الديمقراطي الناجم عن التغييرات المؤقتة في المزاج العام والصيحات الثقافية الآيديولوجية، مثل حركة اليقظة السياسية.

وبغض النظر عمن سيفوز الثلاثاء المقبل، فقد يثبت ألبوم عائلة ريب سميث القديم أنه أكثر مرونة وصموداً عما يأمله «التقدميون» ويتخيلونه.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الانتخابات الأميركية والألبوم العائلي القديم الانتخابات الأميركية والألبوم العائلي القديم



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 08:51 2024 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

نصائح مهمة يجب اتباعها عند شراء السجاد لضمان اختيار مناسب
 العرب اليوم - نصائح مهمة يجب اتباعها عند شراء السجاد لضمان اختيار مناسب

GMT 01:55 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

إصلاح فلسطين وإسرائيل والإقليم!

GMT 06:53 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

إيران تتراجع عن تسمية شارع في طهران باسم يحيى السنوار

GMT 02:32 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

ما قال... لا ما يقال

GMT 02:04 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

سوريا فى السياق العربى

GMT 02:27 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

لكنّها الطائفيّة... أليس كذلك؟

GMT 12:52 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

فساتين سهرة رائعة تألقت بها ريا أبي راشد في عام 2024
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab