الملالي يتلاعبون بورقة الجيش

الملالي يتلاعبون بورقة الجيش

الملالي يتلاعبون بورقة الجيش

 العرب اليوم -

الملالي يتلاعبون بورقة الجيش

بقلم : أمير طاهري

تعتمد القيادة في طهران وبشكل متزايد على المؤسسة العسكرية في مواجهة المشاكل الداخلية المتنامية إلى جانب العزلة الدبلوماسية المفروضة عليها دولياً؛ بغية إطالة فترة المكوث على رأس السلطة لأطول مدة ممكنة. ويَـبْرُز هذا الاعتماد الكبير على المؤسسة العسكرية لدى المرشد علي خامنئي من واقع اجتماعاته الثلاثة الأخيرة في غضون أقل من شهر مع قادة الجيش، والتي عكست تضاعف هيمنة المؤسسة العسكرية على هياكل السلطة داخل النظام الإيراني الحاكم.

ومن علامات هذه الهيمنة كان قرار خامنئي بمطالبة رئيس الأركان الإيراني المُعين حديثاً الجنرال محمد حسين باقري بأن يتسلم قضايا التعاون الرئيسية مع روسيا وتركيا بشأن سوريا؛ مما يوحي باستبعاد الرئيس حسن روحاني وحكومته بعيداً عن هذا الملف الحساس. ولقد أطلق الجنرال باقري مشروعاً طموحاً لإقامة تحالف عسكري واقعي مع تركيا، والعراق، وباكستان، مع إسناد خارجي أكيد من الجانب الروسي، في تناقض مباشر مع آمال الرئيس روحاني المُـعْـرَبِ عنها مراراً وتكراراً للتودد إلى والتواصل مع القوى الغربية.

ومن العلامات الأخرى أيضاً كان قرار خامنئي بكتابة رسالة شخصية موجهة إلى الجنرال قاسم سليماني، وهو الرجل المكلف ملف «تصدير الثورة الإيرانية» من خلال فيلق القدس الذي يقوده وغيره من أفرع «حزب الله»، الخاضع لإمرته، في كل من لبنان، وسوريا، والعراق، واليمن.

وفي تلك الرسالة، نسب خامنئي الفضل للجنرال سليماني في «تدمير» خلافة «داعش» المزعومة، وكلفه بمهمة متابعة الاستراتيجية الأكثر عدائية في مواصلة تحقيق «الانتصارات الأخيرة» في بقية ربوع المنطقة. ومرة أخرى، فإن تعليمات خامنئي تُسقط من حساباتها تماماً المزاعم المتكررة من جانب روحاني بأن إيران تسعى جاهدة لإنهاء حدة التوترات المشتعلة في الدول المجاورة.

ويبدو أن مقدار الإهانات التي سددها خامنئي إلى الحكومة الرسمية في بلاده لم تكن بالقدر الكافي؛ إذ طلب المرشد من المؤسسة العسكرية تولي مهمة توفير الإغاثة، وفي وقت لاحق، إعادة الإعمار في كارثة الزلزال الكبير الذي ضرب البلاد، والذي أسفر عن دمار هائل في خمس محافظات إيرانية.

والرسالة الضمنية، التي وجهها قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال محمد علي عزيز جعفري، مفادها أنه عند التعامل مع حالات الطوارئ الكبيرة في البلاد فإن السلطات المدنية العادية هي أسوأ من لا شيء.

وللتأكيد على ارتفاع مكانة المؤسسة العسكرية في هياكل السلطة الإيرانية، أصدر خامنئي أوامره بزيادة كبيرة في ميزانيات الدفاع والأمن تقدر بنحو 14 في المائة مع زيادة هائلة في الإنفاق على تطوير جيل جديد من الصواريخ بمساعدة مباشرة من كوريا الشمالية. وهنا، أيضاً، يمارس المرشد الإيراني المزيد من سياسات القمع إزاء سياسات الحكومة الرسمية والمتمثلة في محاولات إقناع الاتحاد الأوروبي، وربما الولايات المتحدة، بأن إيران قد هدّأت من وتيرة مشاريعها الصاروخية في إشارة إلى حسن النوايا تجاه مجموعة دول 5+1 التي أشرفت على صياغة الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة.

وأعلن خامنئي، خلال اجتماعه الأحد الماضي في طهران مع 52 من كبار قادة المؤسسة العسكرية الإيرانية، أن القوات المسلحة تمثل «طليعة الأمة» فيما سماه «انتصارات الثورة الإيرانية على كافة الجبهات». كما أنه قرر أن للجيش الحق الحصري الأول في رفض تجنيد «الأفراد من أرفع المستويات المؤهلة».
وقد يكون اعتماد خامنئي المتزايد على المؤسسة العسكرية من الخطوات التكتيكية الاستباقية.

لقد فقد نظام خامنئي الحاكم الكثير من قاعدته الشعبية المؤيدة، ومن واقع الحكم على تصاعد التوترات الاجتماعية والاقتصادية الداخلية والتي صارت مشاهدة في جميع أنحاء البلاد، فقد بات النظام الحاكم ولفترة كبيرة متخذاً موقف الدفاع عن القضايا المحلية في مواجهة الانتقادات الداخلية المتزايدة. والسرد القديم للثورة التي تقوم مقام شخصية روبن هود في السرقة من الأغنياء لكفاية الفقراء قد فقدت بريقها وأصبحت في أدنى دركات الابتذال.

وتؤكد البيانات الرسمية في إيران أنه تحت حكم الملالي قد أصبح الأثرياء أكثر ثراءً والفقراء أكثر فقراً. ويضيف الفساد المستشري في ربوع الأجهزة الحكومية، والذي غالباً ما تسلط وسائل الإعلام الحكومية الأضواء عليه في غير مناسبة، المزيد من السخط على المشاعر الشعبية بأن المسميات الجديدة، التي باتت راسخة الآن، تهدف إلى المزيد من سرقة الأمة وعلى نطاق أوسع. وخلال الأسابيع القليلة الماضية وحدها، تمكن 12 مسؤولاً حكومياً كبيراً من المتهمين باختلاس مبالغ مالية فلكية، من الفرار إلى النمسا وإلى كندا.

وأضافت معدلات البطالة المتزايدة، وارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض قيمة العملة المحلية المزيد من الثقوب في أي سرد ثوري يتحدث عن أي نجاح مُحرز في القضايا والأمور ذات الاهتمام بالنسبة للمواطنين العاديين.

وبالتالي، فإن النظام الحاكم في طهران يحاول صياغة سرد جديد يستند إلى المزاعم بأن الإرهاب المتفشي في أجزاء كبيرة من العالم، وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط، بات أيضاً يهدد الداخل الإيراني، وأن النخبة العسكرية والأمنية في البلاد يمكنها حماية الأمة من أخطاره المحدقة.

وقال الجنرال حسين سلامي، الرجل الثاني في الحرس الثوري الإيراني بعد الجنرال عزيز جعفري: «إننا نقاتل بعيداً عن الوطن وعن حدوده؛ حتى لا نضطر يوماً إلى القتال داخل مدننا وقرانا».

ورغم ذلك، فمن غير المحتمل لهذا السرد، على المدى المتوسط والبعيد، أن يرجع بالنتائج المرجوة من ورائه؛ ففي أي دولة منظمة ومحكومة على النحو الصحيح، لا تكون القوات المسلحة «في صدارة وطليعة المواجهة» لجهود «تأمين» البلاد، فضلاً عن إبقائها على قيد الحياة، فإن «الخطوط الأمامية» في غالب الأحيان تتألف من القوة الدبلوماسية، والرسوخ الاقتصادي، والتماسك الاجتماعي، والجاذبية الثقافية. وبعبارة أخرى، فإن القوات المسلحة الوطنية لا تعمل في الفراغ الداخلي، لكن في السياق الأوسع من الواقع الاجتماعي والسياسي الحقيقي. وفي هذا السياق، أصبحت إيران اليوم أكثر ضعفاً من أي وقت مضى منذ أربعينات القرن الماضي. وينتظر خامنئي من المؤسسة العسكرية أن تملأ كافة الفراغات، وتسد كافة الثقوب التي ظهرت نتيجة لعقود طويلة من الفشل السياسي والاقتصادي، وهذا الأمر بمنتهى البساطة يفوق طاقتها على الاحتمال والفعل.

وقد يُجانب المرشد الصواب كذلك في قضية أخرى. ففي أي دولة، تتطور مؤسسات الدولة المتنوعة على المستوى نفسه تقريباً، فلا معنى لوجود مؤسسة عسكرية تتسم بالامتياز مع الخدمات المدنية، أو القضائية، أو الاقتصادية من الدرجة الثالثة. والنظم الحاكمة التي تولي جُل تركيزها واهتمامها للمؤسسة العسكرية فحسب لا تنجح أبداً في إنجاز أي شيء جدير بالاستحقاق لما وراء النجاحات العرضية العابرة.

وإسبرطة القديمة من أبرز الأمثلة على ذلك، ولقد كانت مثالاً على أعلى تصنيف عسكري مسجل في العالم القديم، غير أنها تلاشت من ذكريات التاريخ، في حين أن أثينا القديمة، ذات الجيوش الوطنية المتهالكة، قد تجاوزت كل الإمبراطوريات التي عاصرتها، الفارسية، والمقدونية، والرومانية، والبيزنطية، واحتلت مكانة بارزة في التاريخ بأكثر مما احتلته إسبرطة. ومن الأمثلة الأخرى أيضاً، القائد العسكري الفذ نابليون بونابرت الذي أشعلت آلته العسكرية الهائلة النيران في مختلف ربوع أوروبا بيد أن حياته انتهت بالإذلال والموت في المنفى. ومن منا لا يتملكه الإعجاب الكبير بعملية «بارباروسا» التي أطلقتها جيوش ألمانيا النازية ضد الجيش الأحمر السوفياتي في عام 1941؟ لكن كانت النتيجة النهائية تحول العاصمة النازية «برلين» لأكبر كومة من الأطلال والأنقاض عرفها التاريخ الحديث.

وفي الحالة الإيرانية الراهنة، يلعب خامنئي، وربما هو يتلاعب بالورقة العسكرية بغية تلبية أسباب سياسية ضيقة النطاق في وقت لا تواجه فيه إيران أي تهديد عسكري واقعي يعرّض الأمن القومي وسلامة البلاد لأخطار حقيقية. إن قرع طبول الحرب قد يثير المشاعر لبرهة من الزمن، لكن، بمرور الوقت، يتكشف خواء الطبول وتتلاشى أصواتها الخرقاء.

arabstoday

GMT 04:48 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتخابات الأميركية والألبوم العائلي القديم

GMT 00:22 2024 الجمعة ,28 حزيران / يونيو

بناء الجدران يصل إلى إيران

GMT 00:01 2024 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

فرنسا: نحو عام من الضباب؟

GMT 00:15 2024 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

أوروبا بين الأمل والخوف

GMT 00:49 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

تداعيات خطة بايدن لوقف الحرب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الملالي يتلاعبون بورقة الجيش الملالي يتلاعبون بورقة الجيش



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 19:14 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك سلمان بن عبد العزيز يفتتح مشروع قطار الرياض
 العرب اليوم - الملك سلمان بن عبد العزيز يفتتح مشروع قطار الرياض

GMT 18:57 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

العين قد تتنبأ بالخرف قبل 12 عاما من تشخيصه
 العرب اليوم - العين قد تتنبأ بالخرف قبل 12 عاما من تشخيصه

GMT 12:55 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح
 العرب اليوم - دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 13:18 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

قطر ترحب بوقف النار في لبنان وتأمل باتفاق "مماثل" بشأن غزة

GMT 01:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يستهدف مناطق إسرائيلية قبل بدء سريان وقف إطلاق النار

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab