خيارات إيران الثلاثة

خيارات إيران الثلاثة

خيارات إيران الثلاثة

 العرب اليوم -

خيارات إيران الثلاثة

عثمان ميرغني
بقلم - عثمان ميرغني

منذ تصفية قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، والنظام في إيران يدور حول نفسه متخبطاً في البحث عن مخارج بينما الدائرة تضيق حوله. فالضربة كانت موجعة، ويبدو واضحاً أنها درست بعناية، ولم تكن قراراً ارتجالياً من نوع قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترمب المزاجية التي توضع في لحظة انفعال أمام شاشة التلفزيون، وتصدر في تغريدات غير مدروسة عبر حسابه في «تويتر». ذلك أن العملية أزاحت من المشهد ثاني أقوى رجل في النظام بعد المرشد علي خامنئي، والمتحكم في أهم ملفات عملياتها الخارجية وحروبها الأفقية. وفي هذا التوقيت بالذات حيث بدأت قبضة المرشد تضعف على النظام بفعل عوامل السن والمرض، كان تأثير الضربة أقوى، ليس فقط على الوضع الراهن في إيران، بل على الكثير من حساباتها وخططها المستقبلية.
قياسا على قوة الضربة وضعف الرد، ظهر ضعف النظام في طهران وهشاشته، وهو أمر ربما كان من بين حسابات المخططين للعملية الذين وضعوه في ورطة، بل ورطات. فأي رد كبير وعنيف يوقع قتلى أميركيين، كان سيقود حتما إلى مواجهة غير متكافئة بكل المعايير، الخاسر فيها بلا جدال النظام الإيراني لأن ترمب سيجد المبرر لتوجيه ضربات قاصمة لقدرات طهران العسكرية بما في ذلك على الأرجح برامجها النووية.
الأمور زادت تعقيدا أيضا بعد إسقاط الدفاعات الجوية الإيرانية طائرة الركاب الأوكرانية، وهو ما ظهر في الارتباك في التعامل مع الكارثة. فبدلا من الاعتراف بالخطأ، حاول النظام على مدى أربعة أيام إنكار مسؤوليته وزعم أنها حادث نتيجة خلل فني مقدما تفسيرات متناقضة وضعيفة ما كان لها أن تصمد في كل الأحوال. بل إنه حاول لوقت وجيز تكذيب التقارير الغربية التي أكدت أن الطائرة أسقطت بصواريخ إيرانية، قبل أن يعود ويعترف «بالخطأ الكارثي».
النتيجة أن إسقاط الطائرة فاقم الضغوط على النظام ووضعه في مأزق أمام عدد من الدول المعنية، وأمام مواطنيه لأن أغلبية الركاب كانوا إيرانيين ومن حملة الجنسية المزدوجة. فقد اندلعت مظاهرات عارمة في إيران صوبت غضبها على النظام، ورددت «الموت للكذابين» بدلا من هتافات «الموت لأميركا» التي كان يرددها أنصاره.
المؤكد أن طهران أجرت حساباتها، بناء على المعطيات الداخلية والخارجية، واختارت عدم التصعيد على تصفية سليماني لأنه لن يكون في صالحها بالمحصلة النهائية، لا بالحسابات العسكرية ولا السياسية. فالرئيس ترمب قد يذهب في المواجهة إلى أبعد مدى مدركا أن ميزان القوة لصالحه بفارق هائل، بل إنه قد يكسب سياسيا من رد صاعق إذا تسببت طهران في وقوع ضحايا أميركيين عسكريين أو مدنيين.
في حساباتها قد تكون إيران وضعت في اعتبارها أيضا أن ترمب يواجه محاكمته أمام الكونغرس، وهو إن كان سيربحها على الأرجح لسيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ، إلا أنه يبقى متخوفا من أن تهز صورته وتؤذيه في سنة انتخابات الرئاسة. والتاريخ يشهد بأن بعض الرؤساء الأميركيين هربوا من مشاكل داخلية بتنفيذ عمليات عسكرية في الخارج، مثل بيل كلينتون إبان محاكمته في الكونغرس على فضيحة مونيكا لوينسكي. آخر ما تريده طهران أن تعطي فرصة لترمب لكي يرد عليها بعمليات عسكرية أكبر، وأن تدخل في مواجهة ستخسرها وسيربح منها ترمب شعبيا وانتخابيا، ما يعني أربع سنوات إضافية من العقوبات والضغوط في وقت يتزايد فيه الغضب وتتصاعد الاحتجاجات الشعبية في الداخل التي تشكل الخطر الأكبر على النظام.
إيران لجمت حلفاءها وردت بشكل مباشر لكي تضمن أنه يأتي محدوداً بحساباتها، وليس منفلتاً على أيدي الميليشيات الشيعية الحليفة. هكذا جاء الرد «رمزياً» بصواريخ وجهت للقاعدتين الأميركيتين في العراق، و«محسوباً» بحيث لا يؤدي إلى سقوط ضحايا أميركيين. وللتغطية على محدودية ردها، فإنها لجأت إلى التصعيد الخطابي الموجه أساساً للداخل، فظهر المرشد علي خامنئي ليؤم صلاة الجمعة في طهران لأول مرة منذ ثماني سنوات مهاجماً في خطبته ترمب وواصفاً الرد الإيراني بأنه «أهان» أميركا. كما توالت التصريحات «الساخنة» من مسؤولين في مستويات مختلفة للتنديد بأميركا، وتضخيم الرد الصاروخي الإيراني وتصويره على أنه كان «صفعة قوية».
لكن الحقيقة كانت فيما جاء على لسان وزير الخارجية محمد جواد ظريف الذي قال إن إيران ردت «بإجراءات متكافئة» وليس هناك عمليات أخرى، لكنها لن تسكت إذا تعرضت لهجوم جديد. وحرصت طهران أيضا على نقل تصريحات مسؤولين عسكريين شددوا على أن إطلاق الصواريخ كان «أخف الردود» في قائمة سيناريوهات الرد التي أعدتها للثأر لقائدها العسكري المقتول. هذا الكلام «المموه» ربما ترك لتفسير المتلقين بحيث يفهم على أن طهران اختارت ردا خفيفا محدودا لتفادي المواجهة، كما يمكن أن يفهم على أنها بدأت بالأخف وستتبعه بخيارات أخرى متى سنحت الفرصة. تقديري أن إيران ردت بما تقدر عليه في ظل معطيات الأوضاع وبعدما أجرته من حسابات، وأن أي رد آخر كان مستبعدا، لأن التكلفة ستكون باهظة، وربما تؤدي في نهاية المطاف إلى إسقاط النظام.
ما هي خيارات طهران الآن؟
أمام طهران ثلاثة خيارات. الأول أن تنتظر لترى ماذا سيحدث في انتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة، لتقرر وقتها كيف ستكون سياساتها وعلاقاتها مع واشنطن، وقياساً على ردود الفعل حتى الآن، يبدو أن هذا هو الخيار المحبذ لطهران. فهي تأمل في أن يسقط ترمب في انتخابات الرئاسة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وأن يعيد البديل الديمقراطي الفائز، أيا كان، الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الذي انسحب منه ترمب لتطبيق سياسة «الضغط الأقصى» عبر تشديد العقوبات على طهران والحصار لإضعاف النظام بزيادة الضغوط الداخلية والاحتجاجات الشعبية علها تهيئ الظروف لسقوطه.
الخيار الثاني أن تواصل طهران سياسات التصعيد والمشاكسة عبر حلفائها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، مع تفادي مواجهة مباشرة مع واشنطن. هذا الطريق سيعني استمرار مشاكل إيران، وبقاء العقوبات المفروضة مع احتمال تشديدها، وزيادة معاناة الإيرانيين الذين صاروا يجاهرون بغضبهم من تبديد مواردهم وأموالهم في مغامرات خارجية.
أما الخيار الثالث فهو أن تعيد طهران النظر في سياساتها وتتراجع عن نهج «اليد الطويلة» وتكف تدخلاتها وإثارتها للمشاكل في الدول الأخرى. هذا يتطلب أن تدرك إيران أن علاج مشاكلها يبدأ بالتصالح مع دول المنطقة. ففي نهاية المطاف هذا الخيار يمكن أن يفتح الطريق أمام محادثات مباشرة بين طهران والغرب ودول المنطقة تشمل الملف النووي، وتهديد الصواريخ، وسياساتها الإقليمية بما يؤدي لـ«الصفقة الكبرى» التي يأملها الكثيرون لتهدئة الأوضاع المتأججة في الشرق الأوسط وإنهاء الجبهات المفتوحة.
وعلى الرغم من الكثير من الصعوبات والعوائق المحتملة التي قد تواجهه، فإن هذا الخيار الثالث سيكون الأفضل لإيران نفسها، ولدول المنطقة والعالم.

 

 

 

 

arabstoday

GMT 00:23 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل و«حزب الله».. سيناريو ما بعد التوغل

GMT 00:28 2024 الخميس ,13 حزيران / يونيو

مكاشفات غزة بين معسكرين

GMT 00:37 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

التطبيع بعد القمة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خيارات إيران الثلاثة خيارات إيران الثلاثة



الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
 العرب اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 20:22 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد الأوروبي يعلن صرف 10 ملايين يورو لوكالة "الأونروا"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab