الدولة الفلسطينيّة بوصفها تحدّياً مطروحاً على وطنيّات المشرق

الدولة الفلسطينيّة بوصفها تحدّياً مطروحاً على وطنيّات المشرق

الدولة الفلسطينيّة بوصفها تحدّياً مطروحاً على وطنيّات المشرق

 العرب اليوم -

الدولة الفلسطينيّة بوصفها تحدّياً مطروحاً على وطنيّات المشرق

بقلم - حازم صاغية

أصيبت دولة إسرائيل، فيما هي تتهيّأ لعيد ميلادها، ثمّ تحتفل به، بضربات قد توفّر فرصاً جديدة لقيام دولة فلسطينيّة، وهذا مع اتّساع نطاق المقتنعين بأن دولة كهذه شرط لا بدّ منه للاستقرار الإقليميّ. ففضلاً عن حقّ الفلسطينيّين بدولة، ممّا لا يُمارى فيه، وعن الموجبات الأخلاقيّة التي تدفع في الوجهة هذه، تبدو إسرائيل معزولة أكثر من أيّ وقت، وتبدو صورتها ملطّخةً في بيئات متزايدة، فيما قدرتها على حسم الحروب سريعاً مُعاقة، واقتصادها منهك ومعطوب. فكأنّ تحوّل «الاستقلال الإسرائيليّ» استقلالاً شرعيّاً مرهون بأن تكفّ «النكبة الفلسطينيّة» عن أن تكون نكبة وتتحوّل إلى تاريخ.

صحيح أنّ عوائق كبرى كثيرة تقف في وجه الدولة الفلسطينيّة، وأهمّ العوائق الاستيطان اليهوديّ وضعف الأداة السياسيّة والتمثيليّة الفلسطينيّة التي تحظى بشرعيّة شعبيّة وبقبول سياسيّ وديبلوماسيّ، إقليميّ ودوليّ. وقد تمضي العوائق تلك في منع الدولة الموعودة على رغم كلّ مبرّراتها النظريّة والأخلاقيّة الموجبة، خصوصاً إن استمرّ نتنياهو والمهووسون الدينيّون على رأس السلطة. لكنّ ذلك لن يعني فحسب أنّ الاستقلال الإسرائيليّ سيبقى مطعوناً فيه، بل يعني أيضاً أنّ الاستقرار الإقليميّ سيبقى، بدوره، عرضة للطعن.

أمّا الحقيقة التي تندر الإشارة إليها في سياق كهذا، فيما يؤكّدها بإلحاح واقعنا الراهن، فأنّ تلك الدولة إقرارٌ بمبدأ الدولة وبالدولتيّة في المشرق العربيّ كلّه، وربّما أيضاً في بلدان عربيّة تتعدّاه. فإذا صحّ أنّ العامل المذكور لن ينوب عن عوامل كثيرة مطلوبة، بقي أنّ العوامل الأخرى تظلّ ضعيفة وناقصة بدونه.

وقد يضاف أنّ قيام دولة فلسطينيّة مرشّح لأن يصحّح الخطأ التاريخيّ الذي جعل الدول المشرقيّة تنشأ وتستقلّ، مع الحربين العالميّتين وفي ما بينهما أو بعدهما، وذلك فيما كان احتمال الكيان السياسيّ الفلسطينيّ يختفي ويزول.

يقال هذا فيما تعيش منطقة المشرق أسوأ أزمنتها الممهورة بجَزر الدولة مقابل مدّ الميليشيات. ويقدّم العراق وسوريّا ولبنان، وفلسطين نفسها، كلٌّ بطريقته، شكله الخاصّ عن الانحطاط المتمادي هذا.

فعدم قيام دولة فلسطينيّة يجعل حياة الدول، في البلدان المذكورة، قصيرة وقلقِة ومهدّدة، سيّما وأنّ التذرّع بقضيّة فلسطين ومعه التمدّد الإيرانيّ الذي يلازمه منذ 1979، هما أبرز قاطرات تفكيك الدولة وترسيخ الميليشيا. ونعرف جيّداً كيف بدأ تفكّك الدولة في لبنان في 1975، ومن أين يستقي «حزب الله» مبرّراته للاحتفاظ بدولة مسلّحة أقوى من الدولة، ونعرف أيضاً كيف تعرّض الأردن لاحتمال مماثل في 1970، وكيف لا يزال مصيره كبلد وكدولة مرهوناً بما يحصل في الضفّة الغربيّة. أمّا التذرّع بتحرير فلسطين فجزء لا يتجزّأ من منظومة الحكم البعثيّ في سوريّا منذ 1963، وخصوصاً منذ 1970. وكان التذرّع نفسه، ولو بقدر أقلّ، يفسّر سياسات الحكم البعثيّ في العراق حتّى 2003. أمّا بعد ذاك فغدا إلصاق العراق على نحو مباشر بإيران طريقَه إلى التورّط والتوريط في أوحال الممانعة. لا بل حتّى في بلد غير مشرقيّ كاليمن، صار نقد النظام الحوثيّ الميليشياويّ يصطدم بـ «المقاومة» التي بعطورها اللفظيّة يُغسل نظام الحوثيّين.

بلغة أخرى، إذا صحّ أنّ القضيّة الفلسطينيّة ليست قضيّة «مركزيّة» لعالم عربيّ كثير الدول والظروف والمعطيات، ومتضاربها أحياناً، صحّ أيضاً أنّ تلك القضيّة لا تزال تُستخدم قضيّةً مركزيّةً في مهمّة منع قيام الدول في العالم العربيّ، خصوصاً منطقة المشرق. واستخدام كهذا، وكما تعلّم التجارب، إنّما يبدأ حرباً على الدولة ليجد تتويجه في هيئة حرب على المجتمع نفسه. ذاك أنّ الطوائف والإثنيّات والمناطق تجد ضالّتها في هذا المناخ الموصوف بالقوميّة كي تثبّت نفسها على شكل أمم تافهة، لكنّها واثقة ومتشاوفة.

وما يُستخلص من هذا أنّ وطنيّي المشرق، الذين طوّروا وطنيّتهم في سياق الصراع مع استخدام الموضوع الفلسطينيّ، قد يجدون أنفسهم أمام منعطف جديد: ذاك أنّ قيام دولة فلسطينيّة يغدو واحداً من شروط انتصار وطنيّتهم وقيام دولهم أو استعادتها. وبهذا المعنى لا بدّ من ضمّه إلى برامجهم السياسيّة كأحد بنودها. فكما كان استخدام «تحرير فلسطين» من خارجها عنصر تهديد للدول وللوطنيّات المشرقيّة، فإنّ إدارة الظهر للدولة الفلسطينيّة تعرقل اليوم طريق الوطنيّة والدولتيّة، في كلّ واحد من البلدان المعنيّة.

ومن هنا فإنّ قيام تلك الدولة، كهدف أخلاقيّ ونفعيّ في وقت واحد، يطرح تحدّياً جديداً وكبيراً، لا على الفلسطينيّين وحدهم، بل أيضاً على المشارقة وكثيرين من العرب الآخرين. وهكذا فبعد اليوم سيغدو من الصعب، ومن غير العقلانيّ، أن يكون الوطنيّ في المشرق انعزاليّاً أو غير معنيّ، وهذا إن لم يكن حبّاً بدولة للفلسطينيّين، أو بالعدالة بصفة عامّة، فإنّما حبّاً بدولة له.

arabstoday

GMT 00:10 2024 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

سر القادة: لا شيء ثابتاً في العالم

GMT 00:02 2024 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

لبنان وقبرص والحزب... ويقضى الأمر حين تغيب تيم

GMT 00:02 2024 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

ليبيا ولبنان وأزمة الشغور الرئاسي

GMT 00:01 2024 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

زمن الاحتواء لا زمن المواجهة!

GMT 00:01 2024 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

فرنسا: نحو عام من الضباب؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدولة الفلسطينيّة بوصفها تحدّياً مطروحاً على وطنيّات المشرق الدولة الفلسطينيّة بوصفها تحدّياً مطروحاً على وطنيّات المشرق



GMT 12:12 2024 الخميس ,20 حزيران / يونيو

أفضل الأماكن المرشحة لتعليق ساعة الحائط
 العرب اليوم - أفضل الأماكن المرشحة لتعليق ساعة الحائط
 العرب اليوم - ارتفاع عدد شهداء الصحفيين في غزة لـ152 منذ 7 أكتوبر

GMT 13:20 2024 الخميس ,20 حزيران / يونيو

التأخر في النوم يهدّد الأطفال بمرض الضغط
 العرب اليوم - التأخر في النوم يهدّد الأطفال بمرض الضغط

GMT 18:56 2024 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

محمد رمضان يُعلن غيابه رسميًا عن موسم رمضان 2025
 العرب اليوم - محمد رمضان يُعلن غيابه رسميًا عن موسم رمضان 2025

GMT 13:20 2024 الخميس ,20 حزيران / يونيو

التأخر في النوم يهدّد الأطفال بمرض الضغط

GMT 21:09 2024 الخميس ,20 حزيران / يونيو

قصف إسرائيلي على منزل في غزة يوقع 8 قتلى

GMT 20:53 2024 الخميس ,20 حزيران / يونيو

وفاة الممثل دونالد ساذرلاند عن عمر ناهز 88 عامًا

GMT 03:01 2024 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

إعصار تاريخي مفاجئ يضرب موسكو ويخلف قتيلين

GMT 00:01 2024 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

فرنسا: نحو عام من الضباب؟

GMT 12:12 2024 الخميس ,20 حزيران / يونيو

أفضل الأماكن المرشحة لتعليق ساعة الحائط

GMT 02:28 2024 الخميس ,20 حزيران / يونيو

الجيش السوداني يعتقل مواطنين في ولاية نهر النيل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab