بقلم : أمينة خيري
فى أعقاب أحداث/ ثورة/ حراك (فلندع المسميات جانبًا) يناير 2011، تفجرت مئات المبادرات الشبابية راغبة فى إحداث تغيير مجتمعى سلوكى حقيقى، أو هادفة إلى طرح حلول منطقية وواقعية لمشكلات حياتية عديدة فى مصر. وأذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، طرح عدد من شباب الخريجين فكرة بناء جراجات متعددة الطوابق على عدد من الأراضى الموجودة فى مناطق مزدحمة فى القاهرة والإسكندرية، وذلك بدلاً من تحويلها إلى أبراج سكنية معتادة تضخ المزيد من السيارات إلى الشوارع والميادين المتخمة بالملايين منها.
وطرح آخرون فكرة سنة الخدمة العامة بعد التخرج، وهو النظام الذى كان معمولاً به على الورق فقط حتى ثمانينيات القرن الماضى. وفيه يتم تكليف الخريجين الحاصلين على إعفاء من التجنيد والخريجات بالمشاركة فى مشروع خدمة مجتمعية لمدة عام. محو أمية الكبار، فصول تقوية للصغار، تعليم حرف للعاطلين عن العمل، تثقيف فيما يختص بالنظافة الشخصية وغيرها من المجالات بحسب تخصص كل خريج.
والميزة الكبرى فى أغلب هذه المبادرات كانت تكمن فى كونها مستدامة وبعيدة عن خلطة الرشاوى الدينية المعتادة حيث دس سموم الجماعات وأفكارها التى طرحتنا أرضاً فى الخدمات المقدمة. كما أنها لم تكن خيرية، أى لم تكن قائمة على «تبرع يا أخى المؤمن. تبرعى يا أختى المؤمنة» لجمع مبلغ من المال للأسرة الفقيرة، ويا عالم بما تفعله بها دون تثقيف أو وعى. فقد يستخدم المبلغ المتبرع به فى تيسير عملية إنجاب المزيد من العيال وتضخم فى سوق الفقر، أو بناء طابق إضافى على الأرض الزراعية، أو شراء توك توك لتشغيل آخر العنقود أو تزويج ابنة الـ12 عاماً لتتستر وتبدأ هى الأخرى عملية إمداد المجتمع بالمزيد من المواطنين المستحقين للدعم والمطالبين بـ«حقهم» فى أموال دافعى الضرائب من أبناء الطبقة المتوسطة.
ولأن المجتمعات الصحية لا يمكنها أن تحجل برجل واحدة، وإن اضطرتها الظروف لذلك لفترة تحت ضغوط واحتياجات عاجلة، فإنها لا يمكن أن تستمر فى حجلها الفردى لأزمنة طويلة، وإن فعلت فستفقد قوتها وتستنفد قدرتها، فإنه قد آن أوان فتح المجال أمام المبادرات الشبابية المدنية الفاصلة بين الدين والخدمة العامة. فلا أعتقد أننا نحتاج المزيد من جمعيات تحفيظ القرآن، وتعليم التجويد... إلخ، فلدينا منها الآلاف، وعلينا أن نتركها لأهلها منعاً لبث الأفكار الفردية وبقايا التوجهات المتطرفة المتحجرة التى ظلت ترد لنا على مدار عقود من ثقافات أخرى.
كما لا أظن أن لدينا من القدرات الأمنية والإجراءات الحكومية ما يمكننا من التأكد من مصداقية المبادرات وعدم انتمائها لفصيل مجرم هنا أو توجه مشكوك فى نواياه هناك. وكما باتت الدولة مشكورة تشجع وتدعم وتدفع برواد الأعمال من الشباب والشابات، فقد حان وقت تشجيع ودعم ودفع مبادرات الخدمة المجتمعية لتعديل السلوكيات البشرية وتنمية ملكاتها.