بقلم - سمير عطا الله
ممنوعٌ على مدينة جنيف أن تكون عاصمة الاتحاد السويسري، غير أن أحداً أو شيئاً لا يستطيع منعها من أن تكون عاصمة العالم. ما من مدينة أخرى في العالم مؤهَّلة لهذا اللقب. تستطيع أن تتحقق من ذلك بمجرد القيام بجولة منعشة حول بحيرة ليمان بضفتيها اليمنى واليسرى. من مقرّ منظمة الصحة العالمية التي سيطرت على أخبار الدنيا خلال وباء «كوفيد-19»، إلى منظمة محاربة الإيدز الدولية، إلى منظمة العمل الأمميّ، إلى المفوضّية العليا للاجئين، إلى منظمة الحقوق الفكريّة، إلى منظمة الأرصاد الجويّة العالميّة، إلى منظمة التجارة الدوليّة.
الجولة في جنيف تشبه جولة في روما القديمة ومعابدها التي كانت تتوزع بين معابد الحرب، والشفاء، والحماية، والازدهار، والطقس، والعمل. وفي هذه المدينة الهادئة متواضعة المظهر عُقد أول مؤتمر لعصبة الأمم بناءً على اقتراح الرئيس الأميركي وودرو ويلسون.
وفي المقابل على الضفّة اليسرى تقومُ جنيف القديمة منذ العصور الوسطى. وفي هذه الشوارع المغطاة بالحجارة، ولِدَ أشهر أديب ومفكر سويسريّ أحد آباء الثورة الفرنسية. وهناك عاش فولتير ولينين وتوفي الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس، إنها بلا شك مدينة القيم في عالم متصارع بلا توقف. عندما نَقَلَ الرئيسان هاري ترومان وفرنكلين روسفلت مقرّ عصبة الأمم إلى نيويورك، كان ذلك خوفاً من أن تصبح جنيف المقرّ الأول لقضايا العالم، وبالتالي أن تكون أوروبا هي القارة الأساس. وقد حدد ذلك بالفعل أحلام مدينة البحيرة. إلا أنها لا تزال عاصمة القضايا الإنسانية: الصحة والهجرة والتجارة وحقوق الإنسان. طبعاً هناك مدن ذات طابع عالميّ تفوق جنيف بكثير، مثل لندن أو بكين أو دلهي أو سنغافورة وسواها، غير أنها جميعاً لا تمثل ما تتفق عليه الأمم بأنها مدينة القيم الإنسانية. هنا «لا صدام بين الحضارات» بل التقاء دائم في غرفة الطوارئ.
الميزة الكبرى في أن جنيف لا شبيه لها أنها تنتمي إلى دولة محايدة في الأساس. هي ليست واشنطن ولا باريس ولا موسكو. لا مواقف سياسية ولا شكاوى ولا حروب. فقط ساعات ومصارف وحسابات سرية اشتهر بها بصورة خاصة الزعماء الأفارقة، حيث كان أول ما يفعله الرئيس المُنقلِب، مطالبة الرئيس المنقَلَب عليه بأرقام الأرصدة على البحيرة.