الديمقراطية والمؤسسات والتطرف

الديمقراطية والمؤسسات والتطرف

الديمقراطية والمؤسسات والتطرف

 العرب اليوم -

الديمقراطية والمؤسسات والتطرف

بقلم : عمرو الشوبكي

معركة العالم مع قوى التطرف ليست سهلة، خاصة إذا كانت هذه القوى تتحرك فى إطار قانونى وشرعى وتصل للحكم عبر وسائل ديمقراطية، فهنا تصبح مواجهتها مختلفة عن مواجهة قوى التطرف التى تمارس العنف، فهى خارج القانون والشرعية، ومواجهتها أكثر مباشرة ووضوحا.

يقيناً معركة ترامب ليست سهلة، وهو يحمل رؤية مبسطة لأمريكا، لا ترقى إلى مستوى المشروع العقائدى، إنما هى تصورات سياسية تقوم على كراهية كل ما هو خارج العرق الأمريكى الأبيض، وخص بالذكر المسلمين، مستغلا جرائم الإرهابيين منهم (استخدم دائما تعبير الإرهاب الإسلامى) ليصمهم جميعا بـ«الإرهاب».

خطاب ترامب عبّر عن حالة مجتمعية أمريكية وغربية أصابها الفزع من تصاعد العمليات الإرهابية وجرائم داعش وتزايد عدد المسلمين فى أوروبا وأمريكا، ودون البحث فى الأسباب العميقة التى تقف وراء الإرهاب، وبما فيها مسؤولية غربية وأمريكية، كان الحل السهل هو الحديث عن طرد المسلمين ومنعهم من دخول أمريكا، وهو بذلك مُعادٍ لفلسفة قيام أمريكا نفسها، التى ضمت مهاجرين من كل بقاع الأرض وقبلت كل مَن يعيش على أرضها ويلتزم بقوانينها وقيمها كمواطن أمريكى دون البحث فى أصله وفصله كما يحدث فى أوروبا وعالمنا العربى.

فيروس ترامب أو سياسات ترامب المتطرفة رأيناها حين وصل هتلر للسلطة ونجح فى تطويع المؤسسات الديمقراطية لصالح حزبه النازى، الذى قضى على الديمقراطية حتى هزيمة ألمانيا فى الحرب العالمية الثانية والقضاء على مشروعه السياسى.

أما ترامب فقد جاء فى واقع ترسخت فيه قوة مؤسسات الدولة (القضاء- الإعلام- استقلالية الجيش والشرطة عن الأحزاب والانحيازات السياسية)، كما أصبحت الديمقراطية قيمة عليا توافق المجتمع على مبادئها، وشاهدنا كيف دافع وزير الأمن القومى الأمريكى (الداخلية) عن قرارات ترامب حين أكد أنها لا تستهدف المسلمين، وقال: إن حرية الاعتقاد الدينى جزء من قيم المجتمع الأمريكى التى تحترمها الإدارة الجديدة، وبذل جهدا كبيرا من أجل التأكيد على أن القيم الديمقراطية مصونة، وأن الإجراء الأخير بمنع مواطنى 7 دول عربية وإسلامية من دخول أمريكا احترازى من أجل ضمان أمن الولايات المتحدة وسلامة حدودها من خطر الإرهاب.

فالواقع الذى تعيشه أمريكا الآن هو نقطة تحول، ويمثل تحديا حقيقيا وعميقا للمؤسسات الديمقراطية، خاصة أن هناك انتقادات كثيرة لأدائها ولنظام الديمقراطية التمثيلية.

ولعل هذا ما أعطى قوة لترامب، إنه استغل المثالب التى يعانى منها النظام السياسى الأمريكى، وقدم نفسه باعتباره معاديا للطبقة السياسية الحاكمة، وأنه يرفض العولمة، ويدافع عن فلاحى بلاده ومزارعيه (حصل فى المناطق الريفية على أعلى نسب تصويت بجانب الولايات غير المختلطة عرقيا بصورة كبيرة)، وانتقد المؤسسات الحاكمة، وصب جام غضبه على الإعلام والنخب الحزبية، حتى لو انتمى شكليا للحزب الجمهورى، فهو ابن طبقة رجال الأعمال الثرية التى تظهر فجأة، وتأتى من خارج المشهد السياسى التقليدى، وتتحدث عن فساده وضرورة تنظيفه من نخبته التقليدية وتقديم صورة المرشح الجديد، الذى سيواجه فشل النخبة القديمة التى تمثلها «كلينتون» ورفاقها.

يقينا ترامب لديه ظهير شعبى جانب منه أقل تعليما والجانب الأكبر من أصول ريفية مثل كثير ممن يشبهونه من زعماء العالم، فقاعدتهم وصفها البعض بـ«الجمهور البائس»، ولكنها فى النهاية جزء من واقع أى مجتمع لا يمكن تجاهله.

معركة ترامب مزدوجة، فهى أول اختبار حقيقى لرئيس أمريكى يواجه المؤسسات الحاكمة والمسيطرة، فى ظل ترسخ القواعد الديمقراطية، أى أن الكلام الفارغ الذى يردده البعض عن الانقلاب العسكرى الأمريكى القادم هو دليل جهل ببديهيات النظام الحاكم وقدرته على تصحيح أدائه من داخله وفق المسار الدستورى والقانونى المستقر فى أمريكا، أو تكرار العمليات المخابراتية التى شهدتها أمريكا من قبل أن تنضج خبرتها الديمقراطية.

فهناك مواجهة بين ترامب من جهة والقضاء والإعلام وجانب من مؤسسات الدولة الأمريكية العميقة من جهة أخرى، بأساليب ديمقراطية تختلف عما جرى فى العالم وأمريكا نفسها (كيندى وغيره) فى القرن الماضى، حيث سنجد أن هناك محاولات حثيثة لوقف قرارات ترامب بخصوص المهاجرين من الدول السبع من قِبَل القضاء والمدعين العامين الأمريكيين فى أكثر من ولاية، باعتبار هذا القرار ضد الدستور الأمريكى، كما أن الإعلام اتخذ موقفا معاديا لسياسات ترامب منذ البداية.

أما المعركة الثانية فهى مع الشارع أو الرأى العام، فالمعارك السابقة كانت فيها الدولة العميقة تواجه رئيسا مدعوما ومحبوبا من الشعب، أما هذه المرة فرغم كل الانتقادات التى توجه لأداء المؤسسات الأمريكية، فإن تطور أدائها مؤكد، وأنها أصبحت فيما يتعلق بالسياسات الداخلية أكثر شفافية والتزاما بالمعايير الديمقراطية فى الحوكمة وغيرها، ولذا فاللافت هناك أن الشارع والرأى العام قريبان من موقف كثير من المؤسسات الأمريكية، خاصة القضاء والإعلام، وهو ما يضع ترامب فى موقف صعب للغاية.

على كل المهتمين بالشأن العام والنظم السياسية أن يتابعوا ما يجرى فى أمريكا فى الأشهر القادمة، فلو انتصر ترامب فستنقسم أمريكا داخليا بصورة لم تعرفها من قبل، وسنشهد نظاما مختلفا عما عرفه العالم الحر والديمقراطى على الأقل فى نصف القرن الأخير، وإذا عدل ترامب من خطابه بفضل قوة المؤسسات والرأى العام (يد واحدة)، فهذا هو ما سبق أن تكرر فى تجارب كثيرة حين نجح وعى المجتمع وقوة المؤسسات فى تعديل خطاب التطرف وجعله متفقا مع الدستور والديمقراطية، وهناك احتمال ثالث ألا يستجيب ترامب للضغوط، فيُستبعَد بطريقة ديمقراطية خشنة، أى بعزله وفق الدستور الأمريكى، بمبادرة من نائب الرئيس ومعه أغلب أعضاء الحكومة والكونجرس، أو ناعمة أى يستكمل مدته ولا يُنتخب مرة أخرى.

على الأرجح نحن بين الاحتمالين الثانى والثالث، ولكنه فى النهاية لن ينتصر ولن يمر.

المصدر: المصري اليوم

arabstoday

GMT 04:46 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وقف إطلاق النار

GMT 00:14 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حوارات لبنانية

GMT 06:52 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

صفحة جديدة

GMT 10:17 2024 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

خطاب ترامب

GMT 05:30 2024 الأحد ,18 آب / أغسطس

الهدنة المرتقبة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الديمقراطية والمؤسسات والتطرف الديمقراطية والمؤسسات والتطرف



نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 06:54 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

الجديد الذي يمكن استكشافه!

GMT 12:42 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

أحماض تساعد على الوقاية من 19 نوعاً من السرطان

GMT 11:35 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

مكون غذائي يساهم في تسريع تعافي العضلات بعد ممارسة الرياضة

GMT 09:19 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أستراليا تحظر السوشيال ميديا لمن دون 16 عاماً

GMT 16:12 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتلال الإسرائيلي ينذر بإخلاء 5 مناطق شمال غزة

GMT 09:38 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

اتحاد الكرة المصري يحقق في تسريب محادثات حكام المباريات

GMT 02:09 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

وزارة الصحة اللبنانية تعلن مقتل 40 في غارات إسرائيلية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab