بقلم : عمرو الشوبكي
زار الرئيس السيسى تركيا يوم الأربعاء الماضى ردًّا على زيارة الرئيس أردوغان لمصر فى شهر فبراير الماضى، ليطوى البلدان صفحة الخلافات والسجالات السياسية، ويكتبا الأسطر الأولى من صفحة جديدة فى تاريخ علاقتهما.
وقد يكون الدرس الأول لهذه المحنة التى شهدتها العلاقات بين البلدين هو أنه يجب ألّا يكون الاتفاق أو الاختلاف مع مسار أو خبرة سياسية لبلد مبررًا للقطيعة والتحريض عليه، وأن رهان الحكومة التركية على تنظيم دينى عقائدى كبديل للقنوات الشرعية والمصالح المتبادلة التى تحكم العلاقات بين الدول أمر ثبت فشله، وأن الخلاف السياسى يجب ألا يؤدى إلى القطيعة أو التحريض، إنما يجب أن يوضع فى إطاره الصحيح كملف مختلف عليه فى مقابل ملفات أخرى ومصالح مشتركة محل اتفاق.
لقد بات مطلوبًا أن يتعلم الجميع دروسًا من تلك القطيعة، التى تجاوزت عقدًا من الزمان، بأن «المصالح تتصالح»، وأن طموحات الشراكة الاقتصادية بين البلدين تجاوزت أى تباينات سياسية، خاصة أن العلاقات التجارية بين مصر وتركيا لم تتأثر كثيرًا طوال فترة أزمتهما السياسية، ولكنها لم تتحسن.
فقد وقع الرئيسان المصرى والتركى على 17 اتفاقية تعاون بين البلدين، وقال أردوغان: «سنعزز تعاوننا فى كل المجالات»، وأكد الرئيسان رغبتهما فى رفع حجم التبادل التجارى إلى 15 مليار دولار سنويًّا خلال خمس سنوات لأنه يبلغ حاليًا أقل من 10 مليارات، والارتقاء بالتعاون فى مجال الطاقة، وخصوصًا الغاز الطبيعى والطاقة النووية، وتزايد احتمالات تسليم مسيرات تركية إلى مصر.
قد يكون أحد الدروس المطلوب أخذها أيضًا فى صفحة العلاقات المصرية التركية هو ضرورة احترام كل دولة للخبرة السياسية الخاصة بالدولة الأخرى، فتركيا عرفت بعد تأسيس جمهوريتها منذ أكثر من 100 عام مسارًا سياسيًّا تراكميًّا، وحتى حين كانت تشهد قطيعة نتيجة انقلابات الجيش، تُوقف العملية السياسية والانتخابية، لم تؤدِّ إلى تحول جذرى فى النظام السياسى، وبقى هناك نظام علمانى رأسمالى كجزء من حلف الأطلنطى. أما مصر فقد شهدت على مدار أكثر من 70 عامًا من عمر جمهوريتها قطيعة مع أكثر من نظام سياسى، فكانت اشتراكية وحليفة للكتلة الاشتراكية فى ستينيات القرن الماضى، ثم أصبحت رأسمالية متحالفة مع الغرب فى السبعينيات، وتم تهديد دولتها المدنية فى عام حكم الإخوان.
إن اختلاف الخبرة السياسية بين البلدين واضح، ولكن هذا لا يمنع وجود مشتركات ثقافية وحضارية تجمع بينهما وفرص حقيقية لبناء شراكات اقتصادية وسياسية تعود بالنفع على كلا الشعبين.