ومَن يحاسب

ومَن يحاسب؟

ومَن يحاسب؟

 العرب اليوم -

ومَن يحاسب

بقلم : عمرو الشوبكي

حين تعلو أصوات البعض مطالبة بإعدام الإرهابيين لا يعترض معظم الناس، حتى لو أصروا على أن يتم ذلك من خلال محاكمات عادلة، وحين يعتبر البعض أن مواجهة الإرهاب ستكون بالأغانى الوطنية وضرورة القصاص وشعارات الموت للخونة والمتآمرين، فنحن هنا لا نقدم جديدا، لأن القِصاص بديهى، إنما الأزمة في أن هذه الشعارات تُوظَّف لكى لا نناقش جوانب الخلل وأبعاد الأزمة، التي جعلت الإرهاب مستمرا، رغم قوة المواجهات الأمنية وبسالة جنودنا وصلابة جيشنا، بما يعنى أننا على الأقل في حاجة لاستخدام أدوات أخرى في حربنا ضد الإرهاب.

يقينا الإرهاب ظاهرة عالمية، ويقينا أيضا أن الإرهاب موجود في النظم الديمقراطية والاستبدادية، بما يعنى أن الديمقراطية لن تملك عصا سحرية تُنهى الإرهاب، ولا أن الاستبداد هو العامل الوحيد الذي يساعد على انتشار الإرهاب.

ومع ذلك سيصبح البديهى في حال وجود تعثر أو فشل أو عجز عن مواجهة الإرهاب أن نطرح سؤال: ومَن يحاسب عن هذا الفشل؟ ولماذا لا نفتح بشجاعة أسباب استمرار الإرهاب ومسلسل سقوط الشهداء الذي لا ينتهى، فلم نَعْتَد أن يستشهد قادة ورجال في الجيش المصرى على يد مصريين، ولو بالجنسية، وحتى لو وصفناهم بـ«الخونة»، فالصورة مُحزِنة ومُقلِقة في نفس الوقت.

إن اقتصار معركتنا في مواجهة الإرهاب على الجوانب الأمنية والعسكرية هو نوع من القصور الفادح، فلابد من التعامل السياسى والاجتماعى مع ظاهرة الإرهاب (مثل كل بلد أراد أن يخرج من تلك الدوامة)، وهو لا يعنى تدليل الإرهابيين أو عدم التعامل بشدة معهم مثلما يردد المتاجرون بدماء الشهداء لصالح أغراض سياسية رخيصة، إنما يعنى الاشتباك مع الواقع الاجتماعى والسياسى، الذي يجعل هناك ظهيرا مجتمعيا ولو محدودا يفرز أو يقبل أو يتواطأ مع العناصر الإرهابية.

فكل العلوم الحديثة- (أستغفر الله من كلمة علوم وعلم في مصر)- التي اقتربت من ظاهرة جماعات العنف الدينية والسياسية في مختلف دول العالم كانت دائما تميز بين البيئة الحاضنة التي تحتاج بالأساس لأدوات غير أمنية، أي سياسية واجتماعية من أجل تغييرها، وبين التنظيم الإرهابى أو الخلية الإرهابية التي حملت السلاح وتواجه أساسا بإجراءات أمنية.

ورغم أن نظامنا السياسى تحدث أكثر من مرة عن تنمية سيناء، فإنه لم يتحدث عن بشر سيناء وما أصاب مليون مواطن من صعوبات جمة في حياتهم اليومية ومن عمليات ذبح علنى في الميادين والشوارع لكثير من أهلنا في سيناء ممن اختاروا بوطنية صادقة أن يتعاونوا مع الدولة والجيش دون أي حماية تُذكر، حتى صمتوا تجاه تحركات الإرهابيين حتى لا يتم إيذاؤهم، وفى نفس الوقت تعرضوا لأذى آخر تمثل في أكبر حملة تخوين معتادة من المتاجرين بالوطنية، متناسين أدوار كثير منهم البطولية حين كانت إسرائيل تحتل سيناء، واختاروا هم الدولة المصرية لا دولة الاحتلال العبرية.

ورغم استمرار المواجهات الأمنية في سيناء لمدة تجاوزت العامين، فإن أعداد الشهداء لم تنقص، وهو ما يجعلنا نسأل سؤالا بديهيا حول مسؤولية الوضع الاجتماعى في سيناء عن استمرار الإرهاب، وهو نفس السؤال الذي يُطرح عن وجود مفرخة خطرة ومُقلِقة لتنظيمات إرهابية صغيرة حملت تارة اسم «العقاب الثورى» وأخيرا «لواء الثورة» وهى تضم شبابا صغير السن تعرض لغسل مخ إخوانى، مستثمرا أخطاء فادحة تجرى في مجال السياسة والاقتصاد، حتى أصبحنا أمام بيئة حاضنة أخرى مختلفة في طبيعتها عن سيناء، ولكنها قادرة- عبر رواية مظلومية سياسية- على أن تُنتج كل يوم عشرات من العناصر الإرهابية غير المعروفة لأجهزة الأمن ولا تُواجَه بأى رؤية سياسية مقابلة.

والحقيقة أن معركة مصر ضد الإرهاب ليست فقط مع العصابات الإجرامية التي ترفع السلاح وتروع الأبرياء وتقتل رجال الجيش والشرطة الشرفاء، إنما أساساً مع البيئة الاجتماعية المحيطة التي جعلت انتشاره واقعاً حقيقياً، وهذه البيئة قد تكون نتيجة أخطاء سياسية وقع فيها الحكم، تستوجب التصحيح أو نتيجة علاقة ثأرية بين قسم من المجتمع والدولة أو نتيجة تضامن قبلى أو عائلى أو رواية مظلومية سياسية.

لا يوجد مجتمع عانى من الإرهاب إلا وسأل نفسه السؤال البديهى: لماذا هناك إرهابيون قبل أن يطالب بالقِصاص منهم؟ فهذا سؤال طرحه الغرب الديمقراطى حين صُدم بانضمام آلاف من مسلميه إلى تنظيم داعش الإرهابى، وسؤال طُرح في الجزائر عقب «عشريتها السوداء»- (مقصود بها عقد التسعينيات)- التي راح ضحيتها 100 ألف مواطن نتيجة الإرهاب، وقامت الدولة بمبادرات كثيرة لاستيعاب آهلى المناطق الجبلية حتى تفصلهم عن العناصر الإرهابية وتسهل من مهمة القضاء عليهم.

والمؤكد أن مصر كما في أي بلد لن تتصالح مع مَن حملوا السلاح وقتلوا أبناءها، إنما هي في حاجة إلى أن تتصالح مع البيئة الاجتماعية المحيطة بهؤلاء الإرهابيين، وأن تفتح باب التوبة لمَن تأثروا بخطاب العنف دون أن يتورطوا في ممارسته، كل ذلك حدث حولنا وفى كل التجارب التي اكتوت بنار الإرهاب، فمواجهته كانت بمبادرات سياسية تفصل الإرهابيين عن البيئة الحاضنة، فتتحاور مع الأهل والقبيلة والرؤية السياسية الخاطئة والمخالفة، ومع الحاضنة السياسية والاجتماعية، وتواجهها بخطاب سياسى مدنى وسلمى يَحُول دون انضمام مزيد من الناس لممارسة العنف والإرهاب.

إن قصر المحاسبة فقط على إعدام كل الإرهابيين على طريقة «برد نارك» لن يحل المشكلة مادامت هناك بيئة اجتماعية وسياسية ستفرز آلافاً آخرين، فالمطلوب محاسبة المسؤولين عن كل أوجه القصور السياسية والاجتماعية والأمنية التي فشلت حتى الآن في ربح معركة البيئة الحاضنة للإرهاب.

arabstoday

GMT 03:03 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

إسرائيل و«حزب الله»... التدمير المتواصل

GMT 02:54 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

أقصى اليمين القادم

GMT 01:57 2024 الثلاثاء ,02 تموز / يوليو

انتخابات حاسمة

GMT 23:16 2024 السبت ,22 حزيران / يونيو

الفكرة المغروسة

GMT 00:36 2024 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

«آيديولوجيا» التضامن الإنساني

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ومَن يحاسب ومَن يحاسب



نجوى كرم تُعلن زواجها أثناء تألقها بفستان أبيض طويل على المسرح

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 07:43 2024 السبت ,06 تموز / يوليو

اكتشاف السبب الكامن وراء الصداع النصفي

GMT 08:04 2024 الأحد ,07 تموز / يوليو

غلاق محتمل لموانئ نفطية بسبب العاصفة بيريل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab