بقلم - عماد الدين أديب
لا بد من الفهم الجيد للرسالة العميقة التى تسعى طهران لإرسالها أمس الأول إلى واشنطن من خلال المناورات البحرية التى تجريها منذ أيام.
بدأت طهران منذ عدة أيام فى إجراء مناورات بحرية قامت بها قوات الحرس الثورى تحت عنوان «الرسول الأعظم رقم 12»، فى جزيرة «قشم» القريبة من مضيق هرمز الاستراتيجى.
تبلغ مساحة جزيرة «قشم» 1200 كيلومتر مربع، أى ما يوازى مساحة العاصمة، وهى أكبر الجزر المطلة على بحر العرب.
ويمر أقل من نصف تصدير نفط المنطقة عبر مضيق هرمز، لذلك فإن كلام الرئيس الإيرانى حسن روحانى «إن أى محاولة لمنع إيران من تصدير نفطها عبر هرمز سوف تتم مواجهتها بكل حزم وقوة، وإنه إما أن يمر نفط العالم كله، بما فيه إيران من المضيق، أو لا يمر أى نفط إطلاقاً».
المناورة البحرية لقوات الحرس الثورى الإيرانى هى مناورة هجومية تكتيكية تهدف إلى رفع القدرة القتالية للدفاع والتعامل مع أى إمكانية عسكرية أمريكية لمنع تصدير النفط الإيرانى.
وتستخدم إيران فى هذه المناورة مئات من الزوارق البحرية الصغيرة، السريعة الحركة، التى تصل سرعتها إلى ما بين 140 و160 كم فى الساعة، مدعومة بسلاح الغواصات وطائرات الاستطلاع، والطائرات الاستكشافية بدون طيار.
وأهمية الجزيرة التى تجرى عليها وحولها المناورات، هى أن من يسيطر على هذه الجزيرة، هو فعلياً من يتحكم فى مضيق هرمز.
هذا كله يتم فى وقت قررت فيه الولايات المتحدة، سحب قواتها من سوريا وأفغانستان.
وكان الرئيس دونالد ترامب يريد نفض يده من تكاليف وتبعات أمن هذه المنطقة، وكأنه أيضاً يقول: «أمن هذه المنطقة لأهل هذه المنطقة».
ويبدو أن ترامب يتعامل مع قضايا الأمن القومى والعالمى وأمور التوازن الاستراتيجى بمنطق «شركات الحراسة الخاصة»، أى «ادفع تأمن»، وكأنه «بودى جارد» محترف لا يتحرك قبل أن يحصل على فاتورته.
نحن الآن أمام صيغة جديدة محيرة ومقلقة ومربكة للجميع، بما فيه أقرب الناس إلى ترامب، وآخرهم الجنرال ماتيس وزير دفاعه المخلص، الذى قدم استقالته من منصبه، لأنه غير قادر على استيعاب كيف تريد الولايات المتحدة أن تصبح القوة العالمية الأعظم، وهى تترك طواعية فراغات عظمى فى مناطق استراتيجية فى العالم لأعدائها وخصومها فى موسكو وبكين وطهران وغيرها.