ترامب وفلسطين وإيران

ترامب وفلسطين وإيران

ترامب وفلسطين وإيران

 العرب اليوم -

ترامب وفلسطين وإيران

بقلم : وليد شقير

ها هو دونالد ترامب يطلق مفاجأة جديدة بإعلانه استعداده للتخلي عن حل الدولتين للقضية الفلسطينية، مؤكداً أن لا مشكلة لديه بين هذا الخيار وبين حل دولة واحدة، من دون أن يرف له جفن، كأنه يتعامل مع خيار بين طبقين من لائحة الطعام.

وإذا كان تخليه ببساطة عن لازمةٍ، ولو لفظية، في الديبلوماسية الأميركية على مدى عقدين ونيف يدل على المزيد من الخفة التي اتصف بها معظم قراراته في الأسابيع الثلاثة بعد توليه الحكم، فإن تصريحه الأخير بعد استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يتسم بجدية أكبر، مهما كانت انعكاساته الكارثية على وضع الفلسطينيين اللاهثين وراء التفاوض على حل الدولتين، فالرئيس الأميركي المتقلب، الذي تتسم إدارته بالاضطراب والفوضى في التعيينات والقرارات حول الهجرة والعلاقة مع حلفائه وجيرانه ومع روسيا، يستند في موقفه الجديد الجاهل بطبيعة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، على الأرجح إلى رؤية صهره اليهودي جاريد كوشنير الذي هو كبير مستشاريه في البيت الأبيض، من موقع الإعجاب بالدولة اليهودية كملتزم بالديانة اليهودية.

حتى بالمنطق الديني العنصري الذي يتصف به حكام إسرائيل الذين يزدادون رفضاً للتعايش مع الفلسطينيين، يبدو التخلي الأميركي عن حل الدولتين متناقضاً مع عقود من المساعي للتوصل إلى اتفاق سلام معهم وجهود بذلتها الديبلوماسية الأميركية والأوروبية لبلوغ التسوية على هذا الأساس، فنتانياهو علق المفاوضات على شرط يعرف قبل غيره أن الفلسطينيين لن ينصاعوا إليه، هو الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل إذا حصلوا على دولتهم المستقلة، ولو كانت على أساس السيطرة الأمنية لإسرائيل عليها (الضفة الغربية والقدس...). ويتوخى عتاة الصهيونية من الاعتراف أن يسوّغ لهم لاحقاً منع فلسطينيي 1948 من أن يتحولوا أكثرية (بعد العام 2030 كما ترجح الإحصاءات)، قياساً إلى اليهود، بسبب التوالد. أي أن الاعتراف بيهودية الدولة يتيح لقادة أرض الميعاد أن يهجّروا العرب في «ترانسفير» جديد إلى الدولة الفلسطينية الموعودة.

لكن حل الدولة الواحدة، الذي يعني ضم الضفة (وماذا عن غزة؟) إلى أراضي 1948، يطرح السؤال عما إذا كان الاعتراف بها دولة يهودية قابلاً للتطبيق في ظل حجم ديموغرافي أكبر للعرب في كنفها.

التناقض يكمن في أن قادة التمييز العنصري في الدولة العبرية أصروا على يهودية الدولة مقابل الدولة الفلسطينية، فكيف سيقبلون بدولة واحدة تضم الفلسطينيين الذين سيتحولون أكثرية فيها حتماً، وبوتيرة أسرع؟ فدولة كهذه يتعذر أن تكون يهودية، لأن الانتماء فيها يفترض ألا يكون على أساس ديني بل على أساس وطني، كأي دولة.

أثبت ترامب أن مصير الفلسطينيين كشعب يعاني العزل والقهر والتهجير والسجن ومصادرة الأراضي وإلغاء الهوية ليس همَّه، لمجرد أن تبنى مقولة نتانياهو بأن هؤلاء يمارسون «الكراهية» حيال إسرائيل، مستنتجاً أن دولتهم ستكون دولة إرهاب بهدف إزالة إسرائيل. وهو تبنى دعاية إسرائيل القائمة على شيطنة حقوق الفلسطينيين وتجريم مطالبهم.

مع أن ترامب تحدث عن نيته التوصل إلى تسوية يقدم خلالها «الطرفان التنازلات»، ودعا نتانياهو إلى تعليق بناء المستوطنات «قليلاً»، فإنه ربط الأمر بغطاء إقليمي. وأخطر ما في هذا التأرجح الذي يطبع سياسات ترامب، أن يهدف إعلانه عن الخيار بين حل الدولتين والدولة الواحدة إلى إضاعة الوقت للدعوة إلى مؤتمر للسلام الفلسطيني الإسرائيلي الموعود، يحضره القادة العرب، لأجل مزيد من التطبيع بينهم وبين إسرائيل، مدخله التركيز على الخطر الإيراني الذي شدد عليه نتانياهو مدغدغاً اعتراض الرئيس الأميركي على الاتفاق النووي مع طهران، ليصبح هذا العنوان هو أولوية أي جهد دولي على حساب الفلسطينيين.

لا يستغرب كثر ما آلت إليه القضية الفلسطينية، فغياب الضغط العربي على الصعيد الدولي أتاح لليمين الإسرائيلي تمييع أي جهد لإعادة إطلاق المفاوضات في السنوات الماضية. واستضعاف العرب لا يقتصر على الاستهزاء بقضية فلسطين، فالتطورات الميدانية في سورية تتوالى من دونهم. والاجتماعات حولها تتكاثر، والقادة العرب يطلعون على مجرياتها من بعض المشاركين، كما هي الحال في آستانة التي دعي إليها الأردن مراقباً.

في موازاة الغياب العربي ميدانياً ودولياً، يبقى السؤال عما إذا كانت القيادة الإيرانية تنوي استيعاب الضرر الذي يلحقه تأجيجها الصراع الإقليمي مع العرب، بهم وبها، عبر تدخلاتها المتشعبة في دولهم، فتتراجع بالأفعال لا الأقوال، عن أطماعها بالنفوذ، المغلفة بالشعارات البراقة، لتتفادى جموح ترامب حيالها ومقايضته العداء العربي لها بسراب التسوية الفلسطينية وحمايتهم من توسع طهران، وليتجنب العرب هذا المقدار من الاستضعاف؟

المصدر : صحيغة الحياة

arabstoday

GMT 02:30 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

عون دقّ الباب وسمع الجواب

GMT 13:08 2019 السبت ,31 آب / أغسطس

عندما يحارب الوكيل ويفاوض الأصيل

GMT 05:51 2017 الجمعة ,26 أيار / مايو

الشرق الأوسط «الإيراني» والتنف السوري

GMT 05:10 2017 الجمعة ,12 أيار / مايو

الجمباز الروسي في سورية

GMT 05:56 2017 الجمعة ,05 أيار / مايو

مناطق آمنة للدول أم للسوريين؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ترامب وفلسطين وإيران ترامب وفلسطين وإيران



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab