بقلم - حسن البطل
«جريدة كل الفلسطينيين» تعاني، في زمن الحرب، مثل سائر المواطنين الفلسطينيين. يقولون في هذا مثلاً سائراً شعبياً: «الحال من بعضه». .. لم أقل إن «الأيام» تعاني مثل سائر زميلاتها؛ والزملاء فيها مثل سائر زملائهم، فقد تكون معاناة الرصيفات الزميلات والزملاء أكثر.. أو أقل... ولن أقول إن ملء عمود يومي، سبعة أيام في الأسبوع، يعني امتيازاً في المعاناة عن بقية الزملاء في هذه الدار (الجريدة، المؤسسة.. والشركة).. أو عن أي مواطن له قصته وحصته من «حاجز سردا» وحالاته.. وحواشيه!!.»حاجز قلنديا» جامد، هذه الأيام، كما هو «حاجز سردا» ناشف تماماً.. غير ان التفافيات الحاجز الثاني تبدو أهون من التفافيات الحاجز الأول... ولأنها «جريدة كل الفلسطينيين»، صدف أن الصف الأول والمجرب من المنضدين الصباحيين مقطوعون، لليوم السادس على التوالي، خلف حاجز قلنديا.
سألت أبو داود، الخبير في المونتاج: كيف انقطع أربعة أيام وعاد في السادس، فعلمت أنه نقل بيته من الرام الى جارتها رام الله.. وكان قد نقل بيته من «واد الجنان» أسفل مستوطنة «بسغوت»، وعلى طرف مدينة البيرة، بعدما صار أشبه «بوادي الويل».
شخصياً، انقطعت عن طاولة مكتبي ثلاثة أيام في مستهل هذا الطوق الجديد، دون أن انقطع عن عمودي، وفي اليوم الرابع، سألني رئيس التحرير: كيف وصلت؟ فأطرقت «خجلاً».. لأن حذائي كان موحلاً من السير على أرض زلقة.. بين زختي مطر، وهذا العام بشائره مطيرة، وأوحال الحقول وافرة... وكذلك، فإن زهور «سراج الغولة» أوفر من أي فصل مطير، إنها زهور برية تشبه تاج السراج المعدني، الذي يمسك «اللمبة». ومن لطائفها وغرائبها ان بتلاتها الست تنمو دون أي وُريقات خضراء، ولعلها أرق الزهور البرية طراً في فلسطين، لأنها تذوي إذا لم ترتو من ماء السماء أسبوعاً واحداً.
على عطش شديد تصدر «الأيام» في حجمها وعدد صفحاتها المعتادة.. رغم ان كادرها، الصباحي في الأقل، يعمل بأقل من ربع طاقته.. وليلاً، لا أعرف كيف تتدربون؟!.عادة، يتغير ايقاع العمل في أيام شهر رمضان؛ ويتغير إيقاعه تبعاً لوطأة الحصار، وهذه الأيام هي الأصعب ـ حتى الآن، على «جريدة كل الفلسطينيين» كما على سائر الفلسطينيين.
لعل انتظام صدور الصحف يلعب دوره في المعنوية العامة، وهو يختلف عن عدم انتظام وصول الصحف الى قارئها. فأحياناً تصل «الأيام» الى غزة، ولا تصل الى سردا أو بيرزيت؟! استأجرت الشركة بيتاً لمنامة الكوادر الأساسية، في التنضيد والمونتاج، وبخاصة من جنوب الضفة، أو جنوب رام الله.
هذا الترتيب لم «يزبط» هذه المرة، لأنه من حق الكوادر الجنوبية أن تفطر ـ ولو مرة في الأسبوع ـ مع أولادها في رمضان.. وهكذا، تبخرت شطارة «الشباب» في اجتياز المسالك، أو أن الطوق صار خانقاً، أو أن المسالك صارت زلقة جداً.
يهددنا الاسرائيليون أن «الدور جاي» على البنية التحتية الإعلامية، بدءاً من شل محطات التلفاز والاذاعة الوطنية، بذريعة «وقف التحريض».
شخصياً، لا أجد في الصحف اليومية تحريضاً يرقى إلى ما يكتبه «أوري دان»، وهو ـ للمفارقة ـ المسؤول الإسرائيلي عن «لجنة وقف التحريض» المشكلة بعد اتفاقية واي ريفر... كما لا يرقى الى التحريض في كتابات أمونه إيلون، وهي خالة صديقة قاتل رابين، المدعو ييغال عمير، وقد فهمتُ من بعض كتاباتها ان ولدين من أولادها يقيمان في مستوطنات الضفة، ويخدمان على حواجز جيش الاحتلال.. عدا زوجَي ابنتيها وهما من طلائع المستوطنة الجديدة في النقب.. التي رشّت ماء على قبر بن غوريون في «سديه بوكر» باعتبارها استئنافاً لموجة إعمار النقب، بعدما كادت مستوطنات الضفة «تشفط» معظم الطلائعيين الاستيطانيين.
تتساءل أمونه ايلون: ما الفرق بين استيطان النقب واستيطان يهودا والسامرة؟ ما الفرق بين الأمن في مستوطنة عوفرة والامن في تل أبيب.
نحن نرى فارقاً بين أوري دان وأمونه ايلون وبين اوري أفنيري (مبروك جائزة نوبل البديلة) والاستاذ كيمرليخ، فهما يصران على الطابع الكولونيالي للاحتلال، لا على الطابع الطلائعي للاستيطان اليهودي.
إذا رسب بعض الصحافيين الاسرائيليين في «لعبة الفوارق»، فإن معظم الصحافيين الفلسطينيين يصرون على النجاح في رؤية الفوارق في اسرائيل.
ثمة فارق على الجيش الاسرائيلي الالتفات اليه، وهو بين «جمال» الشباب الفلسطيني على حواجز الجيش وبين «»قبح» جنود الجيش الاسرائيلي، إنه الفارق بين حالتين انسانيتين. إذا لم يروا هذا الفارق، فكيف يرون الخطر القادم؟ لأن العنف الإسرائيلي يؤدي الى زيادة المناعة الفلسطينية المكتسبة.
الصحف تصدر بقوة هذه المناعة المكتسبة، والصحافيون يعملون بفضلها.. وعندما يصلون الى مكاتبهم يكتبون بهدوء أبعد ما يكون عن «التحريض»، قياساً بما يعانونه من الجنود.. شأنهم كشأن سائر المواطنين.. ولن يجد الإسرائيليون مقالة فلسطينية تمجد الانتحاريين كما يمجد بعض الصحافيين الإسرائيليين طلائعية المستوطنين.
حسن البطل