استنتاجات ما بعد الحرب

استنتاجات ما بعد الحرب

استنتاجات ما بعد الحرب

 العرب اليوم -

استنتاجات ما بعد الحرب

بقلم - غسان شربل

من المبكر التساؤل عما ستستنتجه المؤسسة السياسية والعسكرية والأمنية الإسرائيلية مما يجري حالياً. ومن المبكر أيضاً التساؤل عما ستستنتجه «حماس». هل تعتبر المؤسسة الإسرائيلية ما جرى انتكاسةً رهيبةً لا بد من التغلب عليها بتدفيع «حماس» وغزة ثمناً يوازي الضرر الذي ألحقته بصورة الجيش الإسرائيلي وقدرته على الردع؟ هل تنشغل بمحاسبة المقصرين وعلى قاعدة الإعداد للحرب المقبلة؟ لا بد أولاً من انتظار نهاية الحرب التي يصعب ضبط نارها في مسرحها الحالي إذا طالت وشهدت فصولاً أشد شراسة مما شهدته حتى الآن. وعلى الضفة الأخرى ماذا ستستنتج «حماس»؟ هل تترسخ لديها القناعة أن لا حل إلا بالحرب والاستعداد لحروب مقبلة؟ وفي هذه الحال ماذا عن الضفة والغليان الذي أصابها بفعل مشاهد المواجهة الحالية؟ وماذا عن الحدود اللبنانية - الإسرائيلية التي سارع جمر المواجهة إلى الاستيقاظ فيها منذراً باحتمالات توسع الحرب؟ وماذا أيضاً عن الحدود اللبنانية - السورية على رغم الضوابط النسبية التي يشكلها الوجود الروسي هناك لجهة الحؤول دون اندلاع حرب شاملة هناك؟ وماذا عن الإطار الإقليمي الذي تجري فيه الحرب الحالية؟ وماذا أيضاً عن حلفاء كل من الفريقين بدءاً من أميركا وصولاً إلى إيران؟

ما يجري أكبر من حرب بين إسرائيل وقطاع غزة. إنه منعطف في النزاع الطويل والمرير بين الإسرائيليين والفلسطينيين. لا مبالغة في القول إن المشاهد غير مسبوقة. ليس بسيطاً أن تهاجم «كتائب القسام» إسرائيل براً وبحراً وجواً. وأن يصاب الجيش الإسرائيلي بالارتباك الذي أصيب به. وأن يتكبد هذا القدر من الخسائر بين قتيل وجريح وأسير. ليس بسيطاً على الإطلاق أن يتم الإعداد الطويل لهذه العملية التي توازي حرباً من دون أن تتمكن المخابرات الإسرائيلية من الحصول على أي معلومات. إننا نتحدث عن غزة التي كان الجيش الإسرائيلي يعتقد أنه يحاصرها وقادر على إحصاء أنفاس سكانها.

المشاهد غير مسبوقة فعلاً. ليس بسيطاً أن يدخل مقاتلو «حماس» المستوطنات في غلاف غزة ويحتجزوا عدداً من المقيمين فيها وأن يقتادوا البعض إلى غزة نفسها. وليس بسيطاً أيضاً أن تمطر «كتائب القسام» إسرائيل بآلاف الصواريخ والقذائف. كانت معركة اليوم الأول معركة الصورة قبل أي شيء آخر. لم يستطع الجيش الإسرائيلي تنظيمَ رد فوري يغلق الثغرات. اضطر إلى الاعتراف وعلى لسان بنيامين نتنياهو أن إسرائيل في حرب واستدعى جيش الاحتياط.

ذاكرة أهل الشرق الأوسط ذاكرة نزاعات طويلة ومريرة. وفي اللائحة يحتل النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي موقع الصدارة. ومن الفصول الطويلة لهذا النزاع درس قاسٍ. حسم النزاع بالحرب مستحيل. وحسم النزاع بالتسوية شبه مستحيل أيضاً. في 1967 حقق الجيش الإسرائيلي انتصاراً فاحشاً. كسر الجيوش العربية واحتل مزيداً من الأراضي. لم تدفع نتيجة الحرب الخاسرين إلى الاستسلام. في 1973 جاء الرد قاسياً. أصيبت إسرائيل بالذهول من عملية العبور، لكن الدعم الأميركي حال دون انتصار الجانب العربي. لم تدفع صدمة الحرب إسرائيل إلى اعتماد خيار السلام في جوهر النزاع. وافقت على ما يكفي لإخراج مصر من الشق العسكري من النزاع. توهمت إسرائيل أن خروج مصر يعني نهاية الحروب وتذويب القضية على نار الوقت.

في السبعينات تحولت بيروت عاصمة للقضية الفلسطينية. كانت الاشتباكات على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية رسائل ساخنة. الفلسطينيون يؤكدون تمسكهم بحقوقهم. وإسرائيل ترد بمحاولة شطب حقهم في التذكير بها. في 1982، راودت إسرائيل فكرة اقتلاع منظمة التحرير الفلسطينية من آخر موقع لها على خط التماس العربي - الإسرائيلي. اجتاح الجيش الإسرائيلي لبنان وحاصر بيروت وأرغم قوات المنظمة على الانسحاب من لبنان. واعتقدت إسرائيل يومها أن القضية ستهرم في المنافي مع رموزها.

يعتقد المراقبون المحايدون أن إسرائيل أضاعت فرصاً كبيرة لدفع النزاع في اتجاه تسوية توقف دوامة الحروب. أضاعت فرصة شكلتها مصافحة ياسر عرفات مع إسحاق رابين في حديقة البيت الأبيض استناداً إلى اتفاق أوسلو. كانت مصافحة بين محاربين يمتلك كل منهما شرعية كاملة في بيئته. أساءت إسرائيل تقدير أهمية شرعية عرفات السياسية والعسكرية وشرعيته الفلسطينية والعربية والإسلامية. وأساءت تقدير أهمية أن يرتضي الفلسطينيون العيش في دولة على بعض أرضهم. توهم أرئيل شارون أن تهديم جدران «المقاطعة» حول عرفات يهدم حلم الفلسطينيين بدولتهم.

أضاعت إسرائيل فرصة أخرى شكّلتها مبادرة السلام العربية التي أعلنتها القمة العربية التي عقدت في بيروت في 2002. كانت المبادرة ثمرة جهود شاقة بذلت لمحاولة الخروج من النزاع، وعلى نحو يضمن قيام دولة فلسطينية تعيش إلى جانب دولة إسرائيل التي وُعدت بالاندماج في المنطقة إذا تجاوبت مع المبادرة.

شعور إسرائيل بالقوة والتفوق دفعها إلى إضاعة أكثر من فرصة. اعتبرت أن عالم ما بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) وغزو العراق يشكل فرصة ذهبية لها لفرض أمر واقع لا يأخذ في الاعتبار الجوهر الفلسطيني للنزاع. أغلقت نوافذ الأمل أمام الفلسطينيين وساهمت بسلوكها في إضعاف معسكر الاعتدال الذي يراهن على تسوية عبر التفاوض. انزلق المجتمع الإسرائيلي بصورة متزايدة نحو اليمين. وجاءت حكومة نتنياهو الحالية حاملة في تركيبتها رموزاً جعلت استفزاز المشاعر سياسة يومية. وكانت النتيجة ما نشهد.

شرارات الحرب تهدد بالتطاير في أكثر من اتجاه. توسيع الدمار والحرب لن يلغي مشاهد يومها الأول. إطلاق الزلازل لا يلغي دروس زلزال اليوم الأول. رأت إسرائيل ما لم تتوقع رؤيته. لا يمكن إطفاء هذا النزاع إلا باستخلاص العبر. وأول العبر هو التسليم بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة. كل خيار آخر يعني الاستعداد لحرب أخرى أشد هولاً مع ما يعنيه ذلك من خسائر كبيرة، خصوصاً في صفوف المدنيين، فضلاً عن الخسائر الاقتصادية الهائلة. ويبقى السؤال ماذا سيستنتج المتحاربون حين يهدأ صوت المدافع. لا يمكن الخروج من النزاع المزمن من دون مراجعة عميقة وقرارات صعبة بل مؤلمة. الدولة الفلسطينية أول مفاتيح الاستقرار في المنطقة ومن دون قيامها سنشهد مزيداً مما نشهد حالياً.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استنتاجات ما بعد الحرب استنتاجات ما بعد الحرب



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 20:22 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد الأوروبي يعلن صرف 10 ملايين يورو لوكالة "الأونروا"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab