حماية لبنان ليست في «القوّة» أيّة «قوّة»

حماية لبنان ليست في «القوّة»... أيّة «قوّة»

حماية لبنان ليست في «القوّة»... أيّة «قوّة»

 العرب اليوم -

حماية لبنان ليست في «القوّة» أيّة «قوّة»

بقلم :حازم صاغية

 

في الكلام الكثير الذي يقال راهناً عن «حماية لبنان»، يردّد كثيرون منّا أنّ الدولة المستعادة وجيشها يحميانه. وهذا قول يصيب كبد الحقيقة لاتّعاظه بالتجارب المُرّة الكثيرة، خصوصاً وقد ثبت أنّ ما تتسبّب به الميليشيا من توريط يفوق أضعافاً مضاعفة ما توفّره من حماية. وهذا ناهيك عن أنّ إيكال الأمر إلى الدولة والجيش يستجيب مبدأً صائباً في رسم مسؤوليّات الدول والجيوش، وفي احتكار الأخيرة أدوات العنف الشرعيّ بدون أيّة شراكة مع أيّ كان.

مع هذا، ينجرّ البعض، مأخوذين بالثقافة التي عمّمتها التيّارات النضاليّة والراديكاليّة المتعاقبة، إلى التلويح بجيش جرّار ينشأ في لبنان ويحميه. لا بل حتّى محازبو «حزب الله» أنفسهم، وفي تبريرهم دورهم بوصفه اضطراراً اضطُرّوا إليه، يقولون أحياناً إنّ بناء ذاك الجيش الجبّار هو وحده ما يجيز الاستغناء عن حزبهم المسلّح. وفي مرّات كثيرة يتبدّى أنّ قولاً كهذا يُقصد به التعجيز وتكبير الحجر لعدم الضرب به، أي قطع الطريق على الجيش الممكن باسم التمسّك بالجيش المستحيل.

والحال أنّ اقتراح الجيش الجبّار، حتّى لو كان حاملوه صادقين فيه، اقتراح خطير، خطورتُه لا تقلّ عن خطورة «حزب الله»، ولو اختلفت طبيعتا التهديدين. ذاك أنّ جيشاً يهيمن على المجتمع ويعسكر الحياة وتُصرف عليه حصّة الأسد من الاقتصاد القوميّ، كي «يحمينا» من إسرائيل، لا يفعل سوى جعلنا مجتمعاً عسكريّاً بما يجافي كلّ تطلّع ديمقراطيّ وكلّ حياة معافاة من الاستبداد. فبعدما عشنا مرحلة زُعم فيها أنّ الميليشيا بديل الجيش، يريد لنا أصحاب هذه الدعوة أن نعيش زمناً يكون فيه الجيش بديل الميليشيا، ينظر إلى العالم نظرة حربيّة ويفكّر فيه نزاعيّاً. ولا تندرج إلاّ في الترّهات شعارات تلازم هذا التصوّر، من نوع «بناء الدولة المقاوِمة» و»كلّنا مقاوَمة»، وغير ذلك ممّا تنمّ التجارب عن إفضائه المؤكّد إلى ثلاثيّة جيش قويّ وحزب حديديّ وعقيدة حاكمة. وبما أنّ معارك الجيوش الجبّارة معارك جبّارة بالضرورة، جاز لنا أن نتوقّع مستقبلاً أسود في ظلّ اقتراح كهذا إذا أتيحت له الحياة.

فالجيش الجبّار لن يحمي لبنان المحارب الذي تسوسه «دولة مُقاوِمة»، لا بل قد يقودنا إلى تسلّح لا يمكن أن يفوق التسلّح الإسرائيليّ فيما يعرّض لبنان إلى مخاطر يمكن تفاديها. بمعنى آخر، لا بدّ، بدل الميليشيا، من جيش يحمي السلم الأهليّ والاستقرار الداخليّ ويضمن استمرار الهدوء على الحدود، كما قد يشكّل مصدراً لواحد من الإجماعات القليلة بين اللبنانيّين. أمّا الحماية الفعليّة فلا تصدر إلاّ عن حياد عسكريّ حيال صراعات الخارج بوصفه سياسة يسهر الجيش على رعايتها. وتوجّهٌ كهذا هو ما يجد تعزيزَه مستقبلاً، ونظريّاً، في عبور المنطقة كلّها إلى سلام يُتوّجُه قيام دولة فلسطينيّة مستقلّة.

وبدورها فالطاقة التي قد يجدها اللبنانيّون في نفوسهم ومبادراتهم فتتوجّه، والحال هذه، إلى إحداث تغييرات سياسيّة واجتماعيّة يطلبها البلد بإلحاح، لا لبناء جيوش جرّارة و»ساحات وغى». ونعلم، من تجربة 17 تشرين التغييريّة، أنّ حاملي شعار «لبنان المقاوم» و»لبنان القويّ» هم أوّل الذين تصدّوا لتغيير من هذا النوع بذريعة القضيّة الواحدة التي لا تتحمّل قضيّة أخرى.

أمّا سياسة الحياد العسكريّ التي تحمي فتفترض ثقافة تلائمها، مفادها أنّ العالم ليس بالضرورة غابة مفتوحة، غابة إن لم تكن فيها قاتلاً فأنت مقتول، وأنّ في الوسع أن نصبو إلى عالم ما بعد الحرب وما بعد نتانياهو، إن لم يكن غداً فبعد غد.

وهذا يستدعي إشاعة ثقافة السلام، الضعيفة تقليديّاً في الفكر السياسيّ العربيّ، ومباشرة القطع مع ثقافة القوّة، تمجيداً لـ «الرجولة» و»البطولة» و»الشهادة» وسواها من مفاهيم ترسّبت عن الملاحم في زمن لم يعد ملحميّاً.

وبعد كلّ حساب، فالقوّة تجافي تركيب لبنان ككيان لم يؤسَّس على القوّة، بل أُسّس على تجنّبها، ولم يتعرّض للانهيار إلاّ في لحظات التشدّق المَرَضيّ بالقتال. وقد تنتهي الحرب الراهنة بطيّ صفحة القوّة وحامليها، لكنّ ما يبقى مطلوباً للمستقبل أن نربّي مناعة ضدّ العنف، كائناً مَن كان المعبّر عنه، دولةً أو ميليشيا، وكائنةً ما كانت طائفته أو عقيدته.

وللّبنانيّين أن يعتبروا بتجربة مُرّة عرفها جوارهم السوريّ، حيث ساد لعقود مبدأ «الجيش العقائديّ» في دولة قويّة ذات حزب واحد. وها هي تلك التجربة تتمخّض عن مأساة لسوريّا والسوريّين جعلتهم أضعف من أيّ وقت في تاريخهم الحديث، وذلك بعد إمعانها في تدمير مجتمعهم وامتصاص حيويّته ومصادرة سعيه. وما انتهى في بلد بحجم سوريّا على شكل مأساة لا بدّ أن يلبس في بلد بحجم لبنان لبوس الملهاة. ولربّما آن أوان الخروج من المآسي والملاهي مرّة واحدة نحو دول طبيعيّة تعالج مشكلاتها وتحسّن أوضاعها بعيداً من المزاعم الكبرى أيّاً كانت. وهذا إذا تمكّن البلد من أن ينفض الركام عنه ويستأنف الحياة من جديد.

arabstoday

GMT 07:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 07:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 06:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 06:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 06:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 06:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 06:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حماية لبنان ليست في «القوّة» أيّة «قوّة» حماية لبنان ليست في «القوّة» أيّة «قوّة»



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab