بقلم: عادل درويش
رئيس الوزراء السير كير ستارمر تستمر شعبيته في الانخفاض (16 في المائة فقط يثقون به بينما 67 في المائة نظرتهم سلبية تجاهه)، كما تنقصه الخبرة السياسية، خصوصاً في العلاقات الدولية، مقارنة بسابقيه من زعماء الحكومات العمالية.
ففي أسبوع واحد، وعد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالعمل على انضمام بلاده إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)؛ ثم عرض نشر قوات بريطانية لحفظ السلام بأوكرانيا في حالة هدنة مع روسيا. كما لم نتلقَّ إجابة واضحة عما إذا كان استشار الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وبقية زعماء «الناتو» قبل تصريحاته، أم لا.
ستارمر شارك في اجتماع طارئ بدعوة الزعيم الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس لإنشاء قوى دفاع أوروبية كرد فعل لتغيير في السياسة الأميركية تجاه أوكرانيا، بعد تذمر الرئيس ترمب من تحمل بلاده الجانب الأكبر من الأعباء المادية والعسكرية للحلف، بدلاً من بلدان أوروبا. لكن الأوروبيين منقسمون، إسبانيا وألمانيا وبولندا رفضت المشاركة ضمن قوة عسكرية موحدة، مما يضعف من موقف ستارمر الذي يلتقي يوم الخميس بالرئيس ترمب (أحرجه بالإعلان بأن الأول ألح مراراً على اللقاء)؛ بينما يسبقه الزعيم الفرنسي ضيفاً على البيت الأبيض غداً (الاثنين).
ستارمر كان، ولا يزال، يأمل في أن يكون حلقة الوصل بين واشنطن والأوروبيين كالدور الذي لعبه سابقه توني بلير في أزمات دولية، بجانب مشاركة بريطانيا في تدخلات عسكرية كأفغانستان في 2001 والعراق في 2003. لكن بلير، الذي لا يبدو ستارمر ناجحاً في حذو خطاه، كان أكثر مهارة على مستويي السياسة الداخلية، والمسرح الدولي، خصوصاً في العلاقة الأكثر أهمية مع الولايات المتحدة، عملاً بنصيحة الليدي ثاتشر. وكانت الزعيمة الراحلة من أوائل من دعاهم بلير إلى الغداء في 10 داونينغ ستريت للاهتداء بمشورتها، بينما أزال ستارمر مثلاً بورتريه (لوحة زيتية) ثاتشر المعلقة في مكتبها الذي شغلته بين 1979 و1990 في 10 داونينغ ستريت (أعاد تعليقها في غرفة اجتماعات بالدور الأول بعد زوبعة احتجاجات من شخصيات مؤثرة في الرأي العام).
فور هجوم القاعدة في 11 سبتمبر (أيلول) 2001، أعلن بلير دعم بريطانيا للحليف الأول. اليوم سياسة ستارمر الأطلسية غير واضحة، مما يعقد العلاقات الأنغلو-أميركية مع رئيس أميركي يعطي اهتماماً مبالغاً فيه للتصرفات الشخصية والتصريحات السلبية، كالتي تفوّه بها عدد من زعماء العمال.
دعوة بلد للانضمام لـ«الناتو» تتم بترتيب مسبق بإجماع الأعضاء الـ32، خصوصاً أميركا العمود الفقري للحلف، وغياب إجابة داونينغ ستريت عن استشارة مسبقة، أمر يدعو للقلق. وبينما كان بلير على دراية بتفاصيل القدرات العسكرية للبلاد، قبل المشاركة في حربي أفغانستان والعراق، فإن تسرع ستارمر باقتراح مشاركة بريطانية في قوات حفظ سلام بأوكرانيا تنم عن عدم معرفته بحقائق وقدرات البلاد الدفاعية، وعن بساطة ساذجة في الإمكانات وتكلفة نشر قوات وراء البحار.
المحافظة على خطوط هدنة بين روسيا وأوكرانيا تتطلب نحو مائة ألف جندي، وواقعياً ليس في قدرة بريطانيا المشاركة بأكثر من 5 في المائة من القوة. فنشر لواء من المدرعات والمشاة (يتراوح بين 3000 و5000) يتطلب ضعف العدد للمساعدات والإمدادات اللوجيستية، واستبدال القوات بأخرى من البلاد كل ستة أشهر.
أيضاً ما الغاية الاستراتيجية من المهمة على المدى الطويل؟ حفظ سلام؟ أم قوات مراقبة دولية للهدنة؟ وأي جهة تتبع وترسل إليها التقارير؟ مجلس الأمن؟ أم «الناتو»؟ أم هي قوات ردع في تكتيك tripwire (سياج إطلاق الإنذار) ويكون وراءها تدخل أوسع، إما من «الناتو» أو من القوات الأوروبية الغامضة التي يسعى ماكرون لتكوينها؟
وما قواعد الاشتباك إذا انتهك الروس الهدنة؟ هل تستطيع هذه القوات ردع الجيش الروسي دون غطاء جوي معظمه أميركي؟ السؤال المقلق للعسكريين والساسة البريطانيين، هل يضمن ستارمر احتواء الحرب المحتملة مع الروس داخل حدود أوكرانيا، من دون اتساع رقعتها واستهداف مدن بريطانيا بالصواريخ الأسرع من الصوت؟ وهل يمكن واقعياً حماية الأجواء دون غطاء جوي أميركي؟ قبل نصف قرن من ابتعاد ترمب عن أوروبا، حذر سابقه ريتشارد نيكسون (بعد خروجه من البيت الأبيض) الأوروبيين من تراجع قدراتهم العسكرية بقوله: «لن يضحي رئيس أميركي بنيويورك من أجل لندن أو باريس عند ابتزاز نووي من الاتحاد السوفياتي».