الكثير من الجزر والقليل من العصي

الكثير من الجزر والقليل من العصي

الكثير من الجزر والقليل من العصي

 العرب اليوم -

الكثير من الجزر والقليل من العصي

عبد الرحمن الراشد

في أغسطس (آب) العام الماضي ضربت غوطة دمشق بعدة صواريخ تحمل أسلحة كيماوية، أصيب على أثرها أكثر من 1700 من سكان الريف، وأغلبيتهم أطفال ونساء. أبكت الصور كل من شاهدها. لم يحدث من قبل، رغم أن الحرب السورية بشعة وقاسية، أن شاهدنا أطفالا ملفوفين في أغطية ميتين بمثل ذلك العدد، وغيرهم كان ينازع الموت مختنقا بغاز السارين المحرم دوليا. من هول المنظر، مع أنه لم يكن الهجوم الأول للنظام السوري على أحياء مدنية بل كان أبشعها، بلغت مشاعر الغضب حدا بعيدا. وجاء موقف الرئيس الأميركي باراك أوباما منسجما مع هول الحدث، عندما أعلنت الحكومة الأميركية، بعد أن وثقت أنه هجوم كيماوي محرم، أنها سترد عسكريا على ما فعله النظام السوري ضد المدنيين. بقية القصة باتت شهيرة، حيث تم الاتفاق مع القاتل على أن يسلم أسلحته الكيماوية مقابل وقف الهجوم العسكري. الأسد استمر يقتل المزيد من الآلاف مستخدما البراميل المتفجرة والطائرات والدبابات والمدافع. عمليا نفع الهجوم الكيماوي النظام حيث أطال في عمره، وأعطى انطباعا للشعب السوري بأنه باق، وأعطى مهلة طويلة ليسلم سلاحه الكيماوي، وتلقى مقابل ذلك كما هائلا من الدعم من إيران وحزب الله؛ آلاف المقاتلين، والمزيد من السلاح النوعي من روسيا. في المقابل لم يحصل المنتفضون على نظام الأسد إلا على كمية تافهة من الأسلحة البسيطة. وبسبب هذا الاتفاق تبدل ميزان القوى، واستعاد نظام الأسد مناطق واسعة كان قد خسرها خلال عامين. ربما القصة باتت قديمة، إنما العبرة هنا أن نظام الأسد رغم كثرة التهديدات الكلامية حصل على الكثير من الجزر والقليل من العصي، وهذا ما يجعل الناس اليوم في حالة غضب حقيقية. لو أن الوضع متساو، أي أنه يسمح للمعارضة بشراء صواريخ ضد الطائرات، ومدافع، لكان نظام الأسد قد تهاوى منذ زمن بعيد، لأنه نظام أمني عسكري يمثل أقلية صغيرة. ولو أن الولايات المتحدة تجرأت على ضربه لكانت رسالة واضحة ضد مؤيديه بالتخلي عنه. لكن بكل أسف كل ما حدث أنه تمت مصادرة أحد عشر في المائة فقط من ترسانته الكيماوية، ونحن نعرف أنه قد يشتري المزيد من الوقت، وفي الأخير سيسلم معظم سلاحه المحرم، لكنه يدرك أن عشرة في المائة من السارين الذي بحوزته تكفي ليحقق الأذى المطلوب ضد الأهالي العزل. لو لم يستخدم النظام السارين الخانق ربما ما بقي نظام الأسد حتى هذا اليوم، لقد اشترى الزمن والمكان والتحالفات وروع ملايين الناس حتى أجبر أكثر من خمسة ملايين إنسان على الفرار من بيوتهم إلى مناطق أخرى في سوريا، وبعضهم إلى ما وراء الحدود. لقد كوفئ الأسد على واحدة من أبشع الجرائم في الحروب المعاصرة، ولدينا قائمة بأكثر من مائة وأربعين ألف شخص قتلوا من قبل قواته، والآلاف الذين لا نعرف عددهم ماتوا بسبب الجوع والحصار والقتل غير الموثق، والآلاف قتلوا في الأسر والسجون. يعني أن هناك ربما نحو ربع مليون سوري قتلهم النظام، ولم يتحرك أحد لوقف هذه المجزرة المستمرة لأكثر من ثلاث سنوات. نحن نعتقد أنه ليس من العدل أن يسكت العالم عن هذه المذبحة البشعة الطويلة زمنا، وليس من المنطق أن يتحدث العالم فقط عن تنظيم القاعدة وفروعه التي تقاتل في سوريا. ماذا عن ملايين المشردين، وآلاف الأرامل والأيتام، في مواجهة نظام أمني إجرامي؟ إنها مسؤولية الجميع، وليست مشكلة تخص فقط المعارضة ودول الجوار. لقد جرحت سوريا وآلمت مشاعر الكثيرين في المنطقة أكثر مما فعلته أي أزمة أخرى وستكون جراحها موجعة للكثيرين.

arabstoday

GMT 00:58 2024 الأحد ,05 أيار / مايو

عبودية لطيفة

GMT 00:54 2024 الأحد ,05 أيار / مايو

تحديات القمة العربية في البحرين

GMT 00:51 2024 الأحد ,05 أيار / مايو

أهكَذا «البدرُ» تُخفِي نورَهُ الحُفَرُ؟!

GMT 00:49 2024 الأحد ,05 أيار / مايو

عن «الرجل الأبيض»!

GMT 00:41 2024 الأحد ,05 أيار / مايو

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (٨)

GMT 00:34 2024 الأحد ,05 أيار / مايو

حافظوا على المقابر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكثير من الجزر والقليل من العصي الكثير من الجزر والقليل من العصي



نادين لبكي بإطلالات أنيقة وراقية باللون الأسود

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 18:35 2024 الجمعة ,03 أيار / مايو

وفد من حماس يصل القاهرة السبت لبحث هدنة غزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab