بقلم : عبد اللطيف المناوي
كتبت، بالأمس، عن المغامرة التى يخوضها ترامب بفرضه رسومًا جمركية إضافية على سلع مستوردة من الصين وكندا والمكسيك، باعتبارها خطوة محفوفة بالمخاطر على الاقتصاد العالمى. وقد آثرت أن أوضح الضرر الذى سيصيب الاقتصاد العالمى جراء هذه المغامرة، لكن ما لم أتخيله هو كم التحذيرات التى قرأتها من خبراء اقتصاديين أمريكيين، تحذر رئيسهم من هذه الحرب، وتؤكد له بشكل واضح أن حرب الجمارك تلك ستكون وبالًا على الاقتصاد الأمريكى!.
ترامب فرض رسومًا جمركية على سلع مستوردة بقيمة ١.٤ تريليون دولار، وهذه القيمة هى أكثر من ٣ أضعاف قيمة السلع الأجنبية التى تبلغ ٣٨٠ مليار دولار، والتى تم فرض رسوم جمركية عليها خلال فترة ولايته الأولى، وهذا ما اعتبره محللون اقتصاديون أنه «لعب بالنار»، فالخطوة التى فى ظاهرها اقتصادى هو يقصد بها أمرًا سياسيًّا، فهو يريد وقف استيراد عقار مخدر، كما يريد وقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى الولايات المتحدة، إلا أن هذه الاستراتيجية قد تؤثر بشكل مباشر فى القضايا التى تشغل الأمريكيين أنفسهم؛ وهى الاقتصاد وارتفاع تكاليف المعيشة.
الخبراء أكدوا أن هذه الرسوم الجمركية لها عواقب عكسية، حيث من المتوقع أن تؤدى إلى زيادة الأسعار فى المتاجر الأمريكية، كما ستؤدى إلى تراجع سوق الأسهم، بل ربما فقدان الوظائف فى حال اندلاع حرب تجارية شاملة، وهو الأمر الذى يضرب صميم الطلبات التى انتخب المواطن الأمريكى ترامب من أجلها، حيث إن الأخير وعدهم بأنه سيحل أزمة الاقتصاد، وسيسهم فى زيادة دخول المواطنين.
خبراء صحيفة أمريكية مهمة كـ«وول ستريت جورنال» قالوا مثلًا إن المبررات التى يصوغها ترامب لشن حرب الجمارك على كندا والمكسيك من أنها وسيلة للضغط بهدف تصحيح العجز التجارى ومعالجة قضايا مثل الهجرة غير الشرعية وتدفق المخدرات لا تتمتع بأى منطق اقتصادى، وقد تؤدى إلى نتائج كارثية.
ومن بين النتائج التى يتوقعها المحللون أن الرسوم قد ترفع أسعار السيارات بمقدار ٣٠٠٠ دولار تقريبًا، وتؤثر بشكل سلبى على أسعار الوقود فى بعض الولايات، ومن الوارد أيضًا أن تتأثر صناعة النفط الأمريكية بسبب تأثير الرسوم الجمركية الجديدة على النفط الخام الكندى، الذى يُعتبر المصدر الأكبر للنفط الخارجى لأمريكا.
الخبراء الاقتصاديون توقعوا أن تؤدى حرب الجمارك تلك إلى تقلص نمو الناتج المحلى الإجمالى الأمريكى بنحو ١.٥ نقطة مئوية فى عام ٢٠٢٥، و٢.١ نقطة مئوية فى ٢٠٢٦، وهو ما يزيد معدلات التضخم، وبالتالى يزيد احتمالات تقلب الأسواق المالية.
عشرات المقالات والتقارير والتحذيرات لترامب من هذه الخطوة، فهل يتراجع ترامب بسببها عن قراره، وبالتالى يتراجع عن حرب جمركية ستكلف اقتصاده والاقتصاد العالمى الكثير، أم سيتمادى فى قراره أكثر؟. الحقيقة أنه مع كل ما رأيناه من ترامب فى ولايته الأولى وكل الآمال التى عُقدت عليه فى الولاية الثانية لا يزال هذا الرجل فى جعبته الكثير من المفاجآت.