هل وزيرة الداخلية البريطانية عنصرية

هل وزيرة الداخلية البريطانية عنصرية؟

هل وزيرة الداخلية البريطانية عنصرية؟

 العرب اليوم -

هل وزيرة الداخلية البريطانية عنصرية

بقلم - ممدوح المهيني

تتعرَّض وزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان لحملة انتقادات واسعة بسبب تصريحاتها الأخيرة عن فشل التعددية الثقافية في بريطانيا. حتى رئيسها ريشي سوناك تخلى عنها وتبرأ من حديثها. وفي غمرة الهجوم عليها وجهت لها الناشطة السياسية موس شوغباميمو كلاماً قاسياً وقالت إن الوزيرة ذات الأصول الهندية «تتخفى خلف لونها لبث سمومها وعنصريتها».

الواقع أن هذا الهجوم يحمل نبرة عنصرية صارخة لأنه يفترض أن لون بشرتها يحتم عليها أن تتبنى أفكاراً وتصورات معينة، ولكن الوزيرة تتحدث بصفتها مواطنة بريطانية وتخدم مصالح دولتها بحسب ما تراه صحيحاً.

ولكن ماذا تعني الوزيرة بـ«التعددية الثقافية»؟ ولماذا هو مصطلح حساس ومتفجر؟ وهل فشلت فعلاً؟ وهل من مصلحة الوافدين أن يعيشوا معزولين أم أن يندمجوا في المجتمع ويحملوا ثقافة واحدة؟

في الواقع، هي ليست أول مسؤولة أوروبية كبيرة تلقي هذه التصريحات النارية، ولكن ربما لم يطلقها أحد بمثل هذا الوضوح. فقد تحدثت أنجيلا ميركل سابقاً عن فشل فكرة التعددية الثقافية، ولكن فُهمت حينها على أنها مناورة سياسية لتخفيف الضغط عليها بسبب دعمها سياسات استقبال عدد أكبر من المهاجرين.

ما تقصده بـ«التعددية الثقافية» هو وجود مجتمعات تحمل قيماً ومفاهيم مختلفة وحتى تتحدث لغة مختلفة وتعيش كما ذكرت الوزيرة في مجتمعات موازية ومعزولة. وهذا الانكفاء على الذات والعزلة الاختيارية والفشل في الاندماج يتسبب بالصدامات الداخلية ويهدد الأمن ومستقبل البلد كله.

التعددية الثقافية أصبح الحديث عنها مثل «الدوغما الدينية» التي يجب الإيمان بها من دون مساءلتها، والسبب أن أي حديث عنها ملغم وخطير ويوصف مطلقه بالشوفينية والعنصرية. وهذا صحيح جزئياً حيث يستخدمه عنصريون متطرفون لمنع أي لاجئين من ثقافات وأديان معينة من الوصول إلى الأراضي الأوروبية والأميركية ولكن ما قصدته الوزيرة شيء مختلف تماماً.

ما تدعو له هو مجتمعات متعددة بقيم متشابهة ومتناغمة يسهم في صعودها الاقتصادي والاجتماعي ويساعدها الأفراد للانخراط في المجتمع الواحد بدل أن تعيش معزولة وتسيطر عليها أفكار المظلومية والإحساس بالاضطهاد.

الصدامات الأخيرة في فرنسا كانت مثالاً واضحاً على ما كانت تتخوف منه الوزيرة، حيث رأينا باريس تحترق وتعرضت المتاجر والمراكز للتخريب والحرق وكأننا نشهد حرباً داخلية بين جزء من المجتمع ورجال الأمن.

لماذا حدث ذلك؟ بسبب «التعددية الثقافية» التي تحذر منها الوزيرة، حيث سُمح لمجتمعات بأن تعيش حياة موازية وتعتاش على وهم المؤامرات وعنف الشرطة حتى اندلعت المواجهات، وكأنك أشعلت عوداً من الثقاب في غرفة معبأة بالغاز.

«التعددية الثقافية» تعبير لطيف ولكنه مضر وسام وينطوي على كل الحواجز والعوائق التي تمنع الأجيال الشابة من الانصهار في المجتمع بشكل أكبر وبناء مستقبل زاهر لهم، لأنهم سيشعرون بأنهم مهمشون بسبب المجتمع الذي يحاربهم ومع وجود أصوات متطرفة تعمّق لديهم هذا الشعور بالاختلاف الثقافي والديني تزيد عزلتهم وكراهيتهم لمجتمعاتهم التي ولدوا فيها، ولكنهم الآن يرونها عدوة لهم ويلقون عليها اللوم في كل أخطائهم.

وهذا أيضاً يقدم تفسيرات لشبان صغار في العمر خرجوا من لندن وأمستردام ومدريد وتحوّلوا إلى قتلة قساة في التنظيمات الإرهابية مثل «داعش» (لنتذكر الجهادي جون)، وذلك لأنهم كانوا يعيشون ذهنياً عالماً معزولاً ثقافياً ولو تم دمجهم منذ البداية في المجتمع العريض لأصبحوا جزءاً منه بدل أن يروها مجتمعات نجسة يسعون للتطهر والخلاص منها.

حديث الوزيرة حتى لو كان قاسياً ولكنه مثل العلاج المر الذي يتجرعه المريض ليُشفى. «التعددية الثقافية» جُربت لعقود طويلة ولكنها فشلت وأضرت أكثر باللاجئين والوافدين، لأنها عزلتهم وحرمتهم من النجاح في المجتمعات التي نشأوا فيها أو التي وفدوا إليها ونجاح الأفراد الباهر لا يعكس نجاح الجماعات التي خرجوا منها. ولكن هناك من يسعى إلى تعزيزها سواء بسبب نوايا شريرة بهدف السيطرة على هذه المجتمعات وسجنها نفسياً وذهنياً ومنعها أن تندمج في مجتمعها الأكبر، بحجة الحفاظ على الهوية أو بسبب نوايا طيبة من خلال الإيمان بأن التعددية هي النظرية الحضارية وأسلوب الحياة الأفضل في المجتمعات المتقدمة، وفي كلتا الحالتين نتائجها مخيبة ولكن الوزيرة كانت شجاعة وقررت أن تقترب من اللغم حتى لو كانت تدرك سابقاً أنه سينفجر بوجهها.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل وزيرة الداخلية البريطانية عنصرية هل وزيرة الداخلية البريطانية عنصرية



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
 العرب اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
 العرب اليوم - يحيى الفخراني يختار التمثيل ويترك مهنة التدريس في كلية الطب

GMT 07:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
 العرب اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 02:56 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مقتل وإصابة 40 شخصا في غارات على جنوب العاصمة السودانية

GMT 10:42 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

عواقب النكران واللهو السياسي... مرة أخرى

GMT 10:46 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

إيران بين «طوفان» السنوار و«طوفان» الشرع

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 10:22 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

توتنهام يضم الحارس التشيكي أنطونين كينسكي حتى 2031

GMT 10:38 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

المشهد في المشرق العربي

GMT 10:27 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

سبيس إكس تطلق صاروخها فالكون 9 الأول خلال عام 2025

GMT 08:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 14:02 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

الاتحاد الإسباني يعلن رفض تسجيل دانى أولمو وباو فيكتور

GMT 11:47 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

كيروش يقترب من قيادة تدريب منتخب تونس

GMT 19:51 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 2.7 درجة يضرب الضفة الغربية فى فلسطين

GMT 11:50 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الهلال السعودي يكشف سبب غياب نيمار عن التدريبات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab