غزة بين توسع النزاع والتهدئة أو الولوج للتسوية

غزة بين توسع النزاع والتهدئة أو الولوج للتسوية

غزة بين توسع النزاع والتهدئة أو الولوج للتسوية

 العرب اليوم -

غزة بين توسع النزاع والتهدئة أو الولوج للتسوية

بقلم :ناصيف حتّي

بداية لا بد من التذكير بأن الحرب الإسرائيلية على غزة تندرج في سياق استراتيجية حرب إسرائيلية تجاه القطاع منذ انسحابها منه في صيف 2005، وسيطرة «حماس» على القطاع. وقد شهدت غزة 9 حروب إسرائيلية بدأت في عام 2006، ولو اختلفت في درجة حدتها وإطارها الزمني، وآخرها الحرب الدائرة حالياً. أكثر من 3 آلاف مواطن قتلوا في القطاع خلال هذه الحرب الأخيرة المتصاعدة. وجاء القصف الإسرائيلي للمستشفى الأهلي المعمداني، الذي تحاول إسرائيل تبرئة ذاتها من مسؤولياتها تجاه هذا العمل الإجرامي وإلباسه للطرف الفلسطيني، الذي شهد سقوط أكثر من 250 قتيلاً، ليندرج في سياسة القتل الممنهج. السياسة التي تهدف إلى تفريغ القطاع من أهله. الاستراتيجية الإسرائيلية تثمن عملياً الفراغ التدريجي للقطاع، بدءاً من نزوح داخلي من الشمال إلى الجنوب، ثم الرهان الذي يحرك الخطة الإسرائيلية لدفع السكان عبر سياسة التصعيد المفتوح والأرض المحروقة نحو عبور الحدود إلى مصر. موقف القاهرة كان واضحاً وحاسماً في هذا الصدد لمنع إسرائيل من خلق أزمة نزوح أخرى تخدم أهدافها الاستراتيجية في السيطرة المباشرة وغير المباشرة على غزة، وسيسهل ذلك ضرب «حماس» والتخلص منها بشكلٍ أسرع وأفضل في غياب حاضنة شعبية فلسطينية، وربط العودة، غير المؤكدة بالطبع، بتحقيق الأمن بالمفهوم والشروط الإسرائيلية. الأمر الذي يسهل تحقيق الهدف الاستراتيجي الإسرائيلي، وهو القضاء على حركة «حماس» كتنظيم، وعلى قدراته العسكرية والقتالية، كما يكرر المسؤولون الإسرائيليون. وهذا أمر أكثر من مستحيل، كون «حماس» مثل الحركات الفلسطينية الأخرى، وهي الأقوى حالياً على الساحة الفلسطينية، تشكل جزءاً طبيعياً من الحالة الشعبية الفلسطينية، أياً كانت قوة هذه الحركة أو تلك وقدرتها على اجتذاب المواطنين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال إلى صفوفها أو إلى التعاطف معها. المخاوف ذاتها من المشروع الإسرائيلي الجديد، الذي تحمله حكومة اليمين الديني المتشدد في إسرائيل، تعمل للتحضير لترانسفير ثانٍ أكثر أهمية لإسرائيل لناحية بناء دولة إسرائيل الكبرى. ترانسفير كان دائماً في صلب التفكير الاستراتيجي المتشدد، وجد مبتغاه وأكثر مع الحكومة الحالية في السلطة، تحت عنوان الأردن هو فلسطين، الأمر الذي تحذر منه مجدداً السلطات الأردنية، ما يسهل تهويد الأرض والشعب من خلال مرحلة لاحقة في حربها، تحت عنوان الأردن هو فلسطين.

في الذكرى الخمسين لحرب أكتوبر أو حرب العبور، وما أحدثته من صدمة ذات أبعاد مختلفة لإسرائيل، جاء العبور «الحمساوي» إلى غلاف غزة والمستوطنات ليشكل صدمة العبور الثانية، وذلك على الأصعدة كافة، منها الأمنية والمخابراتية والعسكرية بالنسبة لإسرائيل. زلزال أصاب صورة الدولة المحصنة والقوية، التي لا يمكن أن تتعرض لهذا النوع الخطير من الصدمات المفاجئة. التهجير الذي تعمل عليه إسرائيل من القطاع، فيما لو حصل، سيشكل نكبة فلسطينية ثانية، بعد النكبة الأولى التي شهدت ولادة دولة إسرائيل. تأجيل إلغاء التسوية السلمية المطلوبة، وفي حقيقة الأمر محاولة ذلك، من خلال تحرير أيادي إسرائيل فيما لو أُخرج المدنيون من غزة، لحرب شاملة ضد «حماس» ولإعادة سيطرتها عليها أو التفاوض لوجود سلطة متعاونة كلياً معها، وتحت سقف الشروط الإسرائيلية، بالطبع ووجهت هذه السياسة بموقف رافض وصارم من طرف مصر، الطرف المعني بهذا الخصوص.

إلغاء القمة الرباعية الأميركية العربية، التي كانت مقررة في عمان بين الولايات المتحدة وكل من الأردن ومصر والسلطة الفلسطينية، أو الأطراف المعنية مباشرة بهذا الصراع، بعد العدوان الإسرائيلي على المستشفى، كان بسبب استمرار واشنطن في موقفها الداعم بشكل مطلق، إلى جانب الأعمال العسكرية الإسرائيلية. والبعض يقول إن الرئيس بايدن يوظف مواقفه الداعمة لإسرائيل والمتبنية القراءة الإسرائيلية لانفجار النزاع في مسبباته وتطوراته، خدمة للأهداف الانتخابية الرئاسية الأميركية. وكأنما المطلوب من القمة القبول بشكل أو آخر بالشروط الإسرائيلية وفرضها على الطرف الفلسطيني، وهو أمر لا يمكن مبدئياً أو عملياً فرضه على «حماس».

إسرائيل أسيرة مواقفها ذات السقف المرتفع، وبالتالي أسيرة الحاجة إلى تحقيق انتصار يوظف داخلياً لوقف العدوان ولتغيير الوضع القائم على الأرض.

وتبدو أن الخيارات الإسرائيلية المختلفة وذات السقف المرتفع في ظل حكومة اليمين الديني المتطرف بقناعاته وممارساته هي غير ممكنة التحقيق، رغم دبلوماسية العنف المطلق التي تلجأ إليها الدولة العبرية لتحقيق تحولات أساسية على الأرض تخدم أهدافها في إقامة إسرائيل الكبرى.

من هذه الخيارات...

أولاً؛ اللجوء إلى حرب «تأديبية» لإنزال أشد الخسائر بالمدنيين والمقاتلين، باعتبار أن ذلك يمكن أن يقدم كنصر معنوي وعسكري يخلق وضعاً جديداً على الأرض لمصلحة إسرائيل. سياسة تقوم على الهجوم البري المتكرر والخروج بعدها، وليس إقامة قواعد في القطاع، خوفاً من الغرق في «الرمال الغزاوية».

ثانياً؛ استمرار الحرب تصعيداً وتخفيضاً على صعيد حجم القتال، من دون الدخول إلى غزة، فنكون أمام نوع مما يعرف بالحرب الممتدة، القابلة للاشتعال أو للاحتواء المؤقت والهش.

ثالثاً؛ عملية اجتياح تدرك المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية أكلافها المرتفعة على الأصعدة كافة، وتؤدي إلى «الغرق في الرمال» الغزاوية، ولا تسمح لإسرائيل بالتخلص من «حماس» وحلفائها على الأرض الغزاوية.

رابعاً؛ استمرار التوتر والتصعيد على الأرض وارتكاب المجازر من طرف قوات الاحتلال، قد يؤدي إلى انفجار الوضع في الضفة الغربية، وهذا أمر أكثر من طبيعي، بعد بروز مؤشرات كثيرة وأكثر من طبيعية على ذلك. أضف أيضاً أن الفلسطينيين في إسرائيل قد يبدأون بانتفاضة، ليس بالطبع بقوة وقسوة ما حصل في القطاع بسبب خصوصيات الأوضاع والقيود التي تحكم حياتهم في الداخل الإسرائيلي.

خامساً؛ «نزول إسرائيل عن الشجرة»، مع هذه الانسدادات الموضوعية المانعة لتحقيق أهدافها، من خلال القبول بهدنة مؤقتة قابلة للتمديد وحاملة لشروط، تتولى الأطراف الثالثة الوسيطة من مجموعة دولية إقليمية عربية العمل عليها وتوفير الضمانات لتنفيذها وتعزيزها. وهذا مسار ليس بالسهل أيضاً.

سادساً؛ الخوف من خيار آخر لا يمكن تجاهله، وقوامه أن ازدياد أعمال القتال والعنف وانسداد أفق التسوية المطلوب العمل عليها خارجياً، وفشل دور الطرف الثالث في احتواء الموقف، قد يؤدي إلى اتساع الحرب نحو الحدود الشمالية (الحدود اللبنانية - الإسرائيلية) رغم سياسات التصعيد المقيد والحامل لرسائل من نوع الردع المتبادل، التي يجري تبادلها بين إسرائيل و«حزب الله».

لكن يبقى المطلوب، وهذه أهم دروس الحرب الحاصلة والمفتوحة في الزمان والمكان والمتداخلة مع المصالح والمواقف الإقليمية، والتصعيد المفتوح على المجهول المخيف للجميع، هو البدء بالبحث عن إحياء مسار التفاوض للتوصل إلى السلام الشامل والدائم. وهو من دون شك يتأثر بصراعات المنطقة، ودونه كثير من العوائق، ولكن لا بديل عن ذلك.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غزة بين توسع النزاع والتهدئة أو الولوج للتسوية غزة بين توسع النزاع والتهدئة أو الولوج للتسوية



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 21:48 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة
 العرب اليوم - انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 العرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 17:18 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

بايدن يعتزم فرض عقوبات إضافية على روسيا قبل مغادرة منصبه
 العرب اليوم - بايدن يعتزم فرض عقوبات إضافية على روسيا قبل مغادرة منصبه

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

سوسن بدر تخوض تجربة فنية جديدة
 العرب اليوم - سوسن بدر تخوض تجربة فنية جديدة

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
 العرب اليوم - الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 00:18 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

قصة غروب إمبراطوريات كرة القدم

GMT 06:28 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السجائر الالكترونية قد تحمل مخاطر صحية غير معروفة

GMT 05:56 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

تدمير التاريخ

GMT 01:25 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

الأوركسترا التنموية و«مترو الرياض»

GMT 17:44 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

الجيش السوري يحاول استعادة بلدات في حماة

GMT 06:19 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

اللا نصر واللا هزيمة فى حرب لبنان!

GMT 02:32 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا تعلن عن طرح عملة جديدة يبدأ التداول بها في 2025

GMT 08:33 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

حذف حساب الفنانة أنغام من منصة أنغامي

GMT 20:57 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

عبدالله بن زايد يؤكد موقف الإمارات الداعم لسوريا

GMT 07:30 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ميركل تكشف السر وراء صورتها الشهيرة مع بوتين والكلب الأسود

GMT 18:25 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

محمد بن زايد ومحمد بن سلمان يبحثان العلاقات الأخوية

GMT 06:25 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

الروس قادمون حقاً
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab