بقلم : فهد سليمان الشقيران
من الضروري التفريق بين «الخوف» و«القلق» ذلك أن الخوف ينصبّ في الغالب على مواضيع ومصائر، بينما «القلق» إحساس من قبل الموجود بثغرات تتعلق بمعلوماته عن وجوده، وقد يفرّغ القلق من المسببات فيصبح مفتوحاً، وغفلاً من الأسباب، وهو القلق الغامض، كما أن القلق يرتبط كثيراً بمستوى «التفكير» فهي صفة ملازمة للمفكرين والفلاسفة، لذا كان «القلق» موضع ثناء في كثير من مدونات التاريخ أو السيَر، انظر مثلاً كتاب عبد الرحمن بدوي (شخصيات قلقة).
لكن الخوف حالة مختلفة عن حالة القلق، فالخوف يشترك الناس في الإحساس به، مهما تضاءلت أسئلتهم الكبرى، الخوف إحساس له طابع حياتي يومي، أن يخاف الإنسان باستمرار من «مصير» أو أن يخاف على أولاده وذويه من الكوارث والمصائب التي تأتي بغتةً من دون سابق إنذار.
برتراند راسل فيلسوف وكاتب إنجليزي من أشهر فلاسفة القرن العشرين، ووُصِف بأنه أهم علماء المنطق الذين ظهروا منذ عصر الفيلسوف الإغريقي أرسطو، ويُعد من أعظم الفلاسفة، حصل على جائزة نوبل عام 1950 ونوط الاستحقاق ذو القيمة الكبيرة والذي قلده إياه الملك جورج السادس عام 1949 وجائزة سوننج من جامعة كوبنهاجن عام 1960.
لم يوجِد الإنسان بعد وصفة سحرية تمكّنه من هزيمة الخوف، يتحدث عن «راسل» هذا قائلاً: (الإنسان يشعر بنفسه عاجزاً على نحوٍ خاص، وهناك ثلاثة أشياء تخيفه، الأول: هو ما يمكن أن تفعله به الطبيعة، تصعقه، أو تبتلعه أو تغمره بزلزال، والثاني: هو ما يمكن أن يفعله به البشر الآخرون، والثالث: وهو عنصر له علاقة متينة بالدين، هو ما يمكن أن تدفع به انفعالات الهوى في عنف اندفاعها للقيام بأشياء يعرف أنه سيندم على القيام بها عندما يستعيد هدوءه، هذا ما يجعل الناس يعيشون في حالة من الهلع الدائم). يوضّح «راسل» في نصه السالف إلى أن الخوف حدّ الهلع الذي يسيطر على الناس في يومياتهم المعتادة مردّه إلى «العجز» فحينما يشعر الإنسان بعجزه عن التحكّم في المصير أو المآل الذي يمكن أن يصبغ لحظاته الآتية يشعر بالخوف والترقب، لذا هو في حالة استنفار مستمرة.
إن أعنف أنواع الخوف أن يجبن الإنسان عن مواجهة ما يخاف منه، ولو على مستوى التفكير، والمهم أن يحوّل الفرد ذلك الخوف السطحي اليومي إلى محرضٍ يمكّنه من التفرد بذاته، والوصول إلى حالةٍ من الاستقلال في الرأي أو الاستقلال في البداية في تفسير معنى «الخوف» والخروج من أزمة ذاتية قوامها «الأميّة في مواجهة فحوى الخوف» وذلك عبر هجر الجهل والبدء في دراسة الذات والعالم والوجود والكون والمحيط ليصل إلى مرحلةٍ من التعلم والكدّ والبحث تساهم في «عقلنة الخوف».