الفلسفة وسياسات التنمية

الفلسفة وسياسات التنمية

الفلسفة وسياسات التنمية

 العرب اليوم -

الفلسفة وسياسات التنمية

بقلم : فهد سليمان الشقيران

لم يعد الحديث عن تعليم الفلسفة محدوداً بمجالات التربية وسياسات التعليم، بل أضحى من صميم النقاش التنموي المرتبط بسياسات الدول لتحديد سبل الانتقال بمجتمعاتها نحو الأفضل والأجود.
«رؤية السعودية 2030» - مثلاً - من صميم ما تَرَكَّزَ عليه الانفتاح على العلوم والنظريات، والانطلاق نحو الفهم والنقاش بدلاً من الإضراب عن العلم ومقت العالم. تنص الرؤية في فصل التعليم على الآتي: «تسعى (الرؤية) إلى أن تواكب المناهجُ التطورات العلمية والحضارية؛ كي يكون الطالب على تواصل دائم مع أي تطورات علمية ومعرفية وأي مستجدات». ومن ذلك بالطبع المستجدات العلمية والفلسفية.
في أكتوبر (تشرين الأول) 2020 صدرت نسخة عربية لكتاب الفيلسوف الأميركي ماثيو ليبمان المفيد بعنوان «الفلسفة تدخل المدارس» (ترجمة عائشة يكن)، وليبمان معروف بأنه من مؤسسي تعليم الفلسفة والمنطق للأطفال، وكتَب الرواية الفلسفية، وخبَر طُرق التدريس.
جاء الكتاب بستة فصولٍ والكتاب بأصله مجموعة أوراقٍ ومحاضرات كُتبت في الثمانينات. في المقدمة انتصر لسقراط ضد أفلاطون الذي يحذر من تعليم الأطفال الفلسفة، لأن تعليمهم يجعلهم كالجراء ينهشون من داناهم، ولكن ليبمان يتجاوز هذه الحقبة بنظرياتٍ حديثة تجاوزت ذلك الشطط.
يصف المؤلف الفلسفة بأنها: «من العلوم الناجية. في عصر تم فيه دفع معظم العلوم الإنسانية نحو حائط مسدود، تمكنت الفلسفة بطريقة أو بأخرى من الصمود - ولو بالكاد - إلى حدٍ كبير، من خلال تحولها إلى صناعة المعرفة: على خطى سقراط! ولكن ثمن البقاء كان باهظاً: فقد اضطرت إلى التخلي عن كل الادعاءات - تقريباً - بأنها تمارس دوراً ذا أهمية اجتماعية. ومن المرجح أن يعترف حتى أكثر أساتذة الفلسفة شهرة في الوقت الحاضر، بأنهم لا يظهرون على ساحة الشؤون العالمية الواسعة، إلا كلاعبين صغار أو كأفراد من الجمهور»، حسب رأي المؤلف!
يؤكد ليبمان أن تعليم المنطق والفلسفة مثل تعليم بقية المواد يجب أن يرتبط التعليم بالتفكير بموضوع التعلم. يقول: «مما لا شك فيه أن ديوي هو الذي توقع في العصر الحديث، أن التعليم يجب أن يعاد تعريفه على أنه تعزيز للتفكير وليس نقلاً للمعرفة؛ وأنه لا يمكن أن يكون هناك فرق في الطريقة التي يُدرس بها المعلمون، والطريقة التي يُتوقع منهم التدريس بها؛ وأنه يجب عدم الخلط بين المنطق في أي تخصص من التخصصات، وتسلسل الاكتشافات التي من شأنها أن تشكل فهمه».
يجب التنويه إلى أن ليبمان يتناول تعليم الفلسفة للأطفال في الابتدائية بالإضافة للتعليم في الثانويات وما بعدها، وهو بين هاتين المرحلتين ينبه لضرورة التفريق بين تدريس النص الأساسي (المتن) وبين الشروحات أو النصوص الثانوية، يقول: «استبدال نص ثانوي بنصوص مقتبسة من مصادر أساسية، سيكون مثل دحرجة الصخرة بعيداً عن فتحة الكهف والسماح لأشعة الشمس بالدخول»، هنا يشرح ضرورة اختيار النصوص والمناهج الممكنة وغير المعقدة. وتعليم الأطفال الفلسفة، حَسَبه، «يشبه تشجيع القطة بسهولة أكبر على إيجاد طريقها للخروج من الصندوق، إذا تم تشغيل آلية الإغلاق بواسطة سلسلة بدلاً من مفتاح، كذلك يمكن تشجيع الطفل بسهولة أكبر على المشاركة في التعليم إذا كان التركيز أكبر على المناقشة بدلاً من تمارين الورقة والقلم. وتقوم المناقشة بشحذ التفكير المنطقي ومهارات التساؤل لدى الطفل، كما لا يمكن لشيء آخر فعله».
الخيط الرفيع الجامع لنظرية المؤلف حول تدريس الفلسفة في كتابه المطول، أن تعليمها يجب أن يتجاوز المحاذير القديمة سواء في التراث اليوناني، أو التراثات الأخرى، ويمكن الاعتماد على المتمرسين في التدريس والممارسين لتخصصهم في تعليم الطلاب، سواء للأطفال، أو لطلاب الثانويات، وهو بالمناسبة بقدر تركيزه على الأطفال في كتابه، يتوجه تلقائياً بعد صفحات للحديث عن تعليم الفلسفة للكبار في الثانويات وما بعدها، ويضع حدوداً معقولة للتفريق بين تحديات تعليمها لمختلف الأعمار. تقديم الفلسفة للطلاب عموماً شرطه الأساسي أن تتم مراجعة الفلسفة عبر تاريخها ونظرياتها وتشعبها الطويل من أجل تحديد تسلسل تفصيلي من دون أي مساس بالفضول الشديد أو قمع الاستعداد للنقاش، هذا شرط جوهري.
وتعليم الفلسفة هدفه غرس النقاش والتساؤل، ولا يعني ذلك تدمير الأخلاق بل إن الفلسفة بهذا تعزز من التفاهم بين الإنسان مع معرفته وأخلاقياته وروابطه المجتمعية. وإذا تمكنت المؤسسات من التهيئة النفسية للتعلم الفلسفي فإن الكتاب المدرسي لن يعود ذلك «الكائن الغريب» كما يصفه جون ديوي، بل يضعه أمام ألفة وسلامٍ مع الأسئلة والإشكالات، يمكن للفلسفة أن تكون حليفة له في مواجهة السؤال.
يصح ذلك على تعليم المنطق أيضاً، يضيف ليبمان: «والمنطق، بالطبع، رفيق لا غنى عنه لغرس التفكير المنطقي، لأن المعايير المنطقية هي المعايير الوحيدة التي نمتلكها والتي يمكن من خلالها التمييز بين التفكير الأفضل والأسوأ».
يمكن الاستفادة من طرح ليبمان حول التعليم الفلسفي في رصد ملامح أسس تعليمها بغية تمكين الطلبة عبرها من النجاح في بقية المهن والتخصصات. يرى بتعليمها تحقيقاً لنجاحات يمكنها صقل المؤسسات بكفاءات دربت على المنطق والمقارنة والمحاججة الفلسفية.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفلسفة وسياسات التنمية الفلسفة وسياسات التنمية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 02:52 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

طائرات الاحتلال المسيرة تقصف مستشفى العودة شمال غزة
 العرب اليوم - طائرات الاحتلال المسيرة تقصف مستشفى العودة شمال غزة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 02:42 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

فردوس عبد الحميد تروي تفاصيل موقف إنساني جمعها بـ سعاد حسني
 العرب اليوم - فردوس عبد الحميد تروي تفاصيل موقف إنساني جمعها بـ سعاد حسني

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف

GMT 08:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

تنسيق الأوشحة الملونة بطرق عصرية جذابة

GMT 09:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات أوشحة متنوعة موضة خريف وشتاء 2024-2025

GMT 06:33 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صهينة كرة القدم!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab