«كورونا» وتغيير التاريخ

«كورونا» وتغيير التاريخ

«كورونا» وتغيير التاريخ

 العرب اليوم -

«كورونا» وتغيير التاريخ

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

غيّر فيروس كورونا، التاريخ، وخلق عالماً جديداً لا نعرفه، وأسس لمستقبلٍ مختلفٍ، مستقبلٍ لم يزل غريباً وغير مستوعبٍ بعد، ولم تزل أسئلته بلا أجوبة حاسمة، وهو يطرح الكثير من زوايا القراءة والنظر، وإعادة النظر مع اختلاف الاستنتاجات والنتائج.

هل يعيد التاريخ نفسه؟ بحيث يمكن أن نقول في فيروس كورونا ما تم قوله فيما قبله من الفيروسات؟ بالتأكيد التاريخ لا يعيد نفسه، ولكنه يمرّ خلال تقدّمه بدوراتٍ متتالية، وهي وإن طالت مددها إلا أنها تختلف بين دورة وأخرى، وهذه الدورات هي جزء من التاريخ المتغير، تؤثر فيه وتتأثر به، بحيث ثمة دوراتٌ وأرواحٌ تحرك التاريخ بشكلٍ عامٍ، كما تحدث الفيلسوف الألماني الشهير هيغل، وهناك دوراتٌ اقتصادية تسبب الأزمات والكساد، وتقضي على الاقتصاد، كما تخلق انتعاشاً وتطوراً مختلفاً، وهكذا في السياسة والثقافة والمجتمع.

المقارنات مهمة في أي علمٍ، وبين كل علمٍ وآخر، ويمكن لها أن تؤثر تأثيراً بالغاً في خلق الحلول أو صناعة الأزمات على حدٍ سواء، وهي إحدى طرق التفكير المهمة والفاعلة، وذات النتائج المفيدة والمؤثرة، وبالتالي فإن معرفة البشر بتكرار الأوبئة والجوائح لا تجعلهم قادرين على النجاح في مواجهة أي وباء جديد، أو أي جائحة مختلفة، بل في الغالب يسلكون مسالك من قبلهم في الدراسة والمعرفة، وتمييز الفيروس وخصائصه، وصولاً إلى التجريب المتكرر على الحيوانات والبشر المتطوعين وانتظار النتائج، وهو ما يفسر التخبط الكبير دولياً في البحث عن دواء أو لقاحٍ جديد لمواجهة فيروس كورونا المستجد، ولم تصل أي جهة بعد لاكتشافٍ نهائي يقضي بشكل نهائي على الفيروس، ويجعله مثل الفيروسات الخطيرة التي قضى عليها العلم سابقاً، وفي النهاية فهذا ما سيحصل مستقبلاً، ولكن ليس لحد الآن على الأقل.

لقد ضرب هذا الفيروس الخطير العلاقات بين الأفراد، أقارب أم زملاء أم أصدقاء على المستوى الإنساني البسيط، كما ضرب العلاقات بين الدول على المستوى الدولي، كما يجري باتجاه التعامل مع الصين من قبل الولايات المتحدة أولاً، وهو ما قد يشكل جبهة دولية ضد الصين، فيما لو ثبت أن لها دوراً إيجابياً في تخليق الفيروس أو سلبياً بعدم مواجهته والتحذير منه.

في أي معادلة بين أرواح البشر، وأي أمرٍ آخر، تبدو أرواح البشر مقدمة على كل ما سواها، وتتضح صعوبة اتخاذ القرار التي وقعت فيها كل دول العالم في أن الخيارات المطروحة ليست كثيرة، والمقصود هنا هو القرارات الإيجابية التي تقضي على الفيروس، وتحمي أرواح البشر دون أي أضرارٍ كبرى، وهذا غير موجود، ويكمن الخطر الأهم في هذه الفترة في الاقتصاد الذي تقوم عليه حياة الدول والبشر، على حدٍ سواء، وهو إذا انهار تسقط الدول، ويضيع الاستقرار، ويدخل البشر في الفوضى المخيفة، وربما الحروب المبيدة التي تهدد أرواح البشر - كما يخبرنا التاريخ - أكثر من الفيروس بما لا يقارن، ومن هنا تبرز المعادلة الصعبة في حماية البشر من الخطرين معاً، خطر الفيروس وخطر الفشل الاقتصادي الذي يؤدي لفشل الدولة.

الهوة لم تزل واسعة بين الحظر ومزيدٍ من الحظر، وبين الانفتاح ومزيد من الانفتاح بحسب النماذج المطروحة دولياً في مواجهة الفيروس، فغالب دول العالم اعتمدت على الحظر للمحافظة على الأرواح؛ أقله في بدايات المواجهة مع الفيروس، لحين تبيّن أفضل الطرق للدخول في مرحلة الانفتاح، بينما اعتمدت دولٌ مثل السويد على ما يعرف بمناعة القطيع، بحيث سمحت باستمرار الحياة على طبيعتها، ليكتسب البشر مناعة جماعية ضد الفيروس، وتحمل المخاطرة بالكثير من فقدان الأرواح، في سبيل استمرار الحياة على طبيعتها والمحافظة على استقرار الاقتصاد والدول في الوقت نفسه.

الدول الغنية كانت أقدر على المواجهة، وخياراتها أكثر من تلك الفقيرة، ولئن كان الكثيرون يتخوفون من الموجة الثانية للفيروس، فإن ذلك تخوّفٌ مشروعٌ، خصوصاً أن التحدي الأكبر، كما يصر الأمين العام للأمم المتحدة، مراراً وتكراراً، سيكون عندما ينتشر الفيروس في الدول الفقيرة، التي لا تمتلك الكثير من القدرات على مواجهة الفيروس وتداعياته، تحديداً في بعض دول أفريقيا وأميركا الجنوبية، وهو ما بدأ بالفعل في دولة بحجم البرازيل التي بدأت في تسجيل أرقامٍ مثيرة للقلق.

يتغير التاريخ حين تتغير حياة الناس بشكل كبيرٍ، وهو ما صنعه فيروس كورونا المستجد، فحياة الإنسان قائمة على الاجتماع والعلاقات الإنسانية حباً وكرهاً، ولاءً وعداءً، مع محيطه، وهو ما قضى عليها الفيروس في دول الحجر بشكل واضح، وفي دول الانفتاح كذلك، بحيث صار الإنسان يخاف من أقرب الناس إليه، ويخشى أن أحدهم قد قصّر في اتخاذ إجراءات السلامة والحيطة والحذر، وهو ما حدث كثيراً، بحيث صار من ينقل الفيروس لأسرته أو محيط عمله أو نشاطه الاجتماعي محطّ انتقاداتٍ، وصلت في مراحلها المتشددة إلى اتهامه بالقتل المتعمد، ومع ما في ذلك من مبالغة إلا أنه يؤدي في النهاية لقتل الأحبة أو بعضهم على الأقل.

ومن ظواهر تغيير التاريخ والمستقبل، أن وسائل النقل التي صبغت العصر الحديث أصيبت في مقتل، بحيث توقفت وسائل النقل العام في غالب الدول براً وبحراً وجواً، وكبرى شركات النقل في المجال الجوي مهددة بشكلٍ كبيرٍ بالإفلاس، أو التشغيل بشكلٍ غير مجدٍ، فيما لو تمّ تطبيق كل اشتراطات السلامة والتباعد الاجتماعي، وهذا بحد ذاته تأثيرٌ ضخمٌ على مجالاتٍ لا تعد ولا تحصى.

واحدة من أهم دروس التاريخ هو أن الحياة تستمر، والإنسان ينتصر، وهذا محل إجماع بين الثقافات والحضارات والبشر مهما اختلفت خلفياتهم وأصولهم، ولا أحد يقول إن هذا مما سيغيره فيروس كورونا المستجد، ولكن الحديث هنا هو أن هذا الاستمرار للبشرية سيكون بعد تغييرات كبرى لن تعود الحياة معها كما كانت عليه من قبل.

علومٌ متعددة تثبت أن القدرة على التأقلم مع المتغيرات الكبرى هي أحد أهم الأسباب في استمرار الحياة على كوكب الأرض، سواء على الإنسان أو الحيوان أو النبات، وكما جرى من قبل سيجري في الحاضر والمستقبل.
عيدٌ سعيدٌ وكل عامٍ وأنتم بخير.

arabstoday

GMT 00:23 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل و«حزب الله».. سيناريو ما بعد التوغل

GMT 00:28 2024 الخميس ,13 حزيران / يونيو

مكاشفات غزة بين معسكرين

GMT 00:37 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

التطبيع بعد القمة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«كورونا» وتغيير التاريخ «كورونا» وتغيير التاريخ



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab