أبناء «الرحرحة»

أبناء «الرحرحة»

أبناء «الرحرحة»

 العرب اليوم -

أبناء «الرحرحة»

بقلم: د. محمود خليل

فى فيلم «اللنبى» مشهد كوميدى لطيف أدت فيه الفنانة نشوى مصطفى دور راقصة «تعبير حركى»، وهو نمط من الفن يصعب على أبناء الحى الشعبى الذى كانت تدور فيه أحداث الفيلم استيعابه. تجلس أمام مسئول الفرقة وتقول: «أنا مش رقاصة بالمعنى التقليدى، أنا تعبير حركى.. أنا مضطرة آجى هنا لأنى محتاجة أحوّل تليفونى من كارت لخط.. نفسى أتكلم براحتى.. نفسى أدفع اشتراك عشان محدش يقول لى لقد نفد رصيدكم».

المشهد بدا فانتازياً داخل الفيلم الشهير الذى أُنتج عام 2002، لكنه عبّر عن واقع عاشه جيل الشباب الذين تفتحت أعينهم على عصر الموبايل، بماركاته ثم كاميراته، وبكروته ثم خطوطه، لم يكن هذا الساحر الصغير يحظى بما يتمتع به من غزارة بين أيدى الجميع، ولم يكن «سمارت» أو ذكياً يتيح لحامله الاتصال بعالم الإنترنت. مطلع العقد الأول من القرن الحادى والعشرين بات الموبايل حقاً للصغار قبل الكبار، ولمن لا يحتاجونه قبل من يلزمهم وجوده فى أيديهم لإنجاز أعمالهم. ساد المشهد المصرى -وكذا العالمى- قناعة بأن الموبايل يجب أن يكون كالماء والهواء حق للجميع، والعبرة بالشحن!

شحن الموبايل بالرصيد كان ولم يزل أزمة تواجه أجيال الشباب والمراهقين الذين تفتحت أعينهم على الحياة خلال العقدين الأخيرين، وكان الأكثر تميزاً مع دخول هذا الجهاز إلى حياة الناس هو من يملك خطاً ييسّر له «الكلام براحته». إعلانات شركات الاتصالات فى ذلك الوقت كانت تؤكد على هذه الفكرة «اتكلم براحتك»، هذا الشعار تحول إلى مبدأ حياة أصبح مدارها الموبايل، الذى دخل البشر فى أحشائه كما يعود الولدان إلى بطون أمهاتهم، اتكلم براحتك مع أهل الأرض، وحتى مع أهل السماء، من خلال الدعاء عبر شاشة هذه الشركة أو تلك من شركات الاتصالات.

ترجم الجيل الصاعد فكرة «الكلام بالراحة» أو بـ«الرحرحة» إلى منهج حياة، فتبنى بعض أفراده مبدأ الراحة أو الرحرحة فى كافة جوانب الحياة، فكل الأشياء لا بد أن تتم براحتهم وعلى راحتهم، وإلا حطموا كل شىء حولهم، أما بذل الجهد أو الاجتهاد فى شىء فمسألة لا تستقيم مع الحياة فى الألفية الموبايلية الجديدة.

فكما أراد قطاع من شباب الألفينات أن يتكلموا براحتهم، رغبوا فى أن يذاكروا براحتهم، ويغشوا براحتهم، ويأكلوا براحتهم، ويعملوا براحتهم، ويكسبوا براحتهم، ويحبوا براحتهم، ويتزوجوا براحتهم، ويتعاملوا مع آبائهم وأمهاتهم براحتهم.

ذلك الوهم المستطير الذى عشش فى أدمغة قطاع لا بأس به من شباب الألفينات يُعد أحد العوامل التى تجيب لك عن سؤال: ماذا حدث للمصريين؟ يطلب الشاب من هؤلاء من أبيه أو أمه «فلوس» فلا يستطيعان، فيسأل: يعنى إيه مايدونيش؟ يحاول الغش فى الامتحان فيحول حائل دون ذلك، فيسأل: يعنى إيه ما يغششونيش؟ يجد العمل مرهقاً وملزماً ويقتضى منه الاستيقاظ مبكراً وبذل الجهد فيضجر ويسأل: يعنى إيه ما يريحونيش؟ يطلب الزواج من فتاة دون أن يملك شيئاً فترفضه، فيسأل: يعنى إيه ماتتجوزنيش؟ يحبها فترفض حبه فيسأل: يعنى إيه ماتحبنيش؟

قطاع من الجيل الذى نشأ على مبدأ «براحتك» اختل توازنه عندما اصطدم بصخرة الحياة العاتية، وبدلاً من أن يستوعب الواقع ويفهم ما لم يفهمه خلال سنين راحته، بدأ يلوّش ويطعن ويحطم، وها نحن نحصد النتائج.

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أبناء «الرحرحة» أبناء «الرحرحة»



هيفا وهبي تعكس الابتكار في عالم الموضة عبر اختيارات الحقائب الصغيرة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 11:08 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

أفضل خامات الستائر وتنسيقها مع ديكور المنزل
 العرب اليوم - أفضل خامات الستائر وتنسيقها مع ديكور المنزل

GMT 13:03 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

البطولات النسائية تسيطر على دراما رمضان 2025
 العرب اليوم - البطولات النسائية تسيطر على دراما رمضان 2025

GMT 13:51 2025 السبت ,01 شباط / فبراير

إيران لم تيأس بعد من نجاح مشروعها!

GMT 17:42 2025 السبت ,01 شباط / فبراير

برشلونة يتعاقد مع مهاجم شاب لتدعيم صفوفه

GMT 02:25 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

سنتان أميركيتان مفصليتان في تاريخ العالم

GMT 12:15 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

زلزال بقوة 4.1 درجة يضرب جنوب شرق تايوان

GMT 12:05 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

انفجار قنبلة وسط العاصمة السورية دمشق

GMT 02:41 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

ترامب والأردن... واللاءات المفيدة!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab