كل هذه القسوة

كل هذه القسوة؟!

كل هذه القسوة؟!

 العرب اليوم -

كل هذه القسوة

بقلم: د. محمود خليل

«قلوب من الهم تدوب.. وقلوب تمشى عليها دروب».. مثل مصرى صميم ما أكثر ما سمعناه من الآباء والأجداد فى وصف الظرف الذى يصنع قلباً رقيقاً، والظرف النقيض الذى يصنع قلباً قاسياً.

يربط المثل الشعبى بين الهم ورقة القلب. القلوب يذيبها الهم. فالإنسان الذى يعانى ويكابد يرق قلبه مع كل معاناة أو مكابدة يخوضها، فمن أوجعته هموم الحياة يكون أكثر ميلاً إلى الرقة مع غيره، ومن ذاق طعم الظلم هو الأشد ميلاً إلى العدل، ومن عرف معنى الضعف يفهم كيف ينتصر لضعيف مثله.

فمن دمغ الهم أو الظلم أو الضعف رحلته فى الحياة أرق قلباً وأحن على من حوله. وفى هذا السياق تستطيع أن تتفهم الحكمة الكبرى من ابتلاء الله لعباده فى الحياة، يقول الله تعالى: «ولنبلونكم بشىء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين». فالقلب الذى يصمد أمام هذه الابتلاءات يخرج نقياً سليماً قادراً على العطف والتعاطف «ومن يؤمن بالله يهد قلبه».

فى مقابل القلب الرقيق يبرز القلب القاسى بهالته القبيحة، وهو يسكن نوعاً من البشر فقدوا وعيهم بالحياة أو سارت بهم سيراً هانئاً ناعماً، فتعودوا أن تنال أيديهم ما يرغبون، وأن تطول من يريدون، وتبطش بمن تحب، وتعطى من تهوى، مثل هذه القلوب وصفها الأجداد بأن الإنسان يمكن أن «يسير عليها دروب»، بسبب تصخرها وتصحرها.

يصعب على صاحب القلب القاسى الذى تعود أن كل شىء عند أطراف أصابعه، وأن الكل يهابه، أن يتعامل مع من يظن أنه يتحداه تعاملاً عادياً أو بسيطاً، بل يميل إلى البطش حتى ينعش غرور قوته ويشعر بالسيطرة على الأشياء، ويؤكد لقلبه المتيبس أنه فوق الجميع، وهو يبطش بجبر وتجبر. تأمل الآيات الكريمة التى تقول: «أتبنون بكل ريع آية تعبثون، وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون، وإذا بطشتم بطشتم جبارين»، وانظر إلى الرباط الواضح الذى يربط بين الإحساس بامتلاك أدوات الدنيا والقلوب القاسية الميالة إلى البطش.

إنها علاقة عجيبة تلك التى تربط بين منسوب التعب فى الحياة وطبيعة القلوب البشرية، فالهم يولد -فى الأغلب- رقة فى القلب وإحساساً أعمق بآلام الآخرين، فى حين أن الحياة السهلة التى تتحقق فيها رغبات الإنسان دون عنت أو تعب، تجعل القلب ميالاً -فى الأغلب- إلى القسوة، وأحياناً القسوة المفرطة.

أقول لك فى الأغلب لأن لكل قاعدة استثناء، فقد تجد بين المهمومين والمتعبين من قست قلوبهم، وقد تجد بين الناعمين المخمليين من رقت قلوبهم ودق إحساسهم بالآخرين، لكن يبقى أن الاستثناء يؤكد القاعدة ولا ينفيها بحال.

فى مسلسل «حديث الصباح والمساء» مشهد تذهب فيه المسكينة المتعبة «فرجة السماكة» لتخطب فتاة «بنت أكابر» لولدها الطبيب الذى تعلم فى فرنسا أيام محمد على، سخر منها الأكابر ومن الحكاية التى حكتها حول ابنها الفقير المنتمى إلى واقعه الشعبى، الذى خطفه عساكر الوالى، وأبعدوه عن حضنها وهو صبى صغير، تنفيذاً للإرادة السامية بإرسال بعثات تعليمية إلى الخارج، نظرت إلى الأكابر قساة القلوب لحظتها وقالت لمرافقتها فى رحلة الإهانة: «تقول لى إيه فى قلوب ماداقتش الحسرة.. وبطون ماداقتش الجوع».

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كل هذه القسوة كل هذه القسوة



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:57 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
 العرب اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 07:57 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

لبلبة باكية في عزاء بشير الديك وتتحدث عن عادل إمام
 العرب اليوم - لبلبة باكية في عزاء بشير الديك وتتحدث عن عادل إمام

GMT 05:19 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

جنوب السودان يثبت سعر الفائدة عند 15%

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 09:06 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

القضية والمسألة

GMT 09:43 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

استعادة ثورة السوريين عام 1925

GMT 09:18 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الكتاتيب ودور الأزهر!

GMT 10:15 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لماذا ينضم الناس إلى الأحزاب؟

GMT 18:11 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

النصر يعلن رسميا رحيل الإيفواي فوفانا إلى رين الفرنسي

GMT 18:23 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

حنبعل المجبري يتلقى أسوأ بطاقة حمراء في 2025

GMT 21:51 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

انفجار سيارة أمام فندق ترامب في لاس فيغاس

GMT 22:28 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

27 شهيدا في غزة ومياه الأمطار تغمر 1500 خيمة للنازحين

GMT 19:32 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

صاعقة تضرب مبنى الكونغرس الأميركي ليلة رأس السنة

GMT 10:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

صلاح 9 أم 10 من 10؟

GMT 08:43 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

باكايوكو بديل مُحتمل لـ محمد صلاح في ليفربول

GMT 06:02 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

ريال مدريد يخطط لمكافأة مدافعه روديجر

GMT 00:30 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

25 وجهة سياحية ستمنحك تجربة لا تُنسى في عام 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab