الاستسلام للمكتوب

الاستسلام للمكتوب

الاستسلام للمكتوب

 العرب اليوم -

الاستسلام للمكتوب

بقلم: د. محمود خليل

سمة أساسية أدّت إلى تعكير رحلة حياة جيل الثمانينات تتعلق بـ«الاستسلام لكل ما يُفرض عليه».فرضت عليه الظروف فى الطفولة أن يتعامل بأعلى درجات الاستسلام أمام الأب، دعم من ذلك تركيبة الآباء المسئولين عن تربية مواليد الستينات، تركيبة الأب المهيب الذى يتكلم فيُسمع، ويأمر فيطيعه كل من فى البيت، ينام فيصمت الجميع ويرفعون شعار ممنوع الهمس، يتدخّل بسلطانه ونفوذه فى كل صغيرة أو كبيرة فى حياة أبنائه دون أن يملك أحدهم الاعتراض.

ظروف الحياة المعقدة فى الثمانينات والتسعينات فرضت على نسبة لا بأس بها من أبناء الجيل أن يتزوج زواجاً مؤسسياً محسوباً بالظروف والإمكانيات، رغم أنه من الأجيال التى غذّت «فترة التكوين» وجدانها بإيمان عميق بالحب، لكن كثيرين نبذوا ذلك وراء ظهورهم وهم يتزوجون، ولعبوا لعبة المواءمة والتكيّف مع الأوضاع، كذلك نظروا إلى الذكاء كقدرة على التكيّف حتى مع الأوضاع المفروضة.

وعندما حاول بعضهم معالجة هذه العلة بعد تحسّن ظروفه، فبادر إلى تجديد حياته العاطفية بصورة أو بأخرى، كان كمثل من أراد تكحيلها فعماها، إذ لم يستوعب أنه أضاف المزيد من التعقيدات إلى حياته، وبدلاً من أن يعانى على جبهة واحدة، بات يعانى على جبهتين.

حتى الأولاد تجد أن نسبة لا بأس بها من أبناء جيل الثمانينات تعاملوا معهم باستسلام، شأنهم فى ذلك شأن الكثير من الأجيال، خصوصاً جيل السبعينات. بعضهم تذرّع بأنه لا يريد أن يربى أبناءه بالطريقة السلطوية ذاتها التى تربوا عليها، ولدى الكثير من أبناء الثمانينات حساسية خاصة من السلطوية، لكنهم، وهم يفعلون، لم يفرقوا بين فكرة القواعد المنظمة ومفهوم الفوضى. القواعد المنظمة تؤدى إلى الضبط، بشرط أن تكون عادلة، أما الفوضى فتسوق إلى الاستسلام، لذا كان من الطبيعى أن يوصف هذا الجيل بأنه «الجيل اللى باس إيدين أبهاته.. وإيدين عياله». وعذر هذا الجيل فى ذلك هو التحول الذى أصاب مؤسسة التربية ككل بدءاً من التسعينات، واختفاء أدوار المعلمين داخل المدارس، وتراجع فكرة التربية القائمة على مراعاة القواعد، والعقاب على الخروج عليها، وظهور فكرة الاستغلال الوظيفى وتحويل التلاميذ إلى أداة لجلب المال عبر الدروس الخصوصية، ومن يدفع فاتورة الحساب هو من يحدد القواعد فى الأغلب.

كل قاعدة ولها استثناءات بالطبع، فثمة قلة من أبناء الثمانينات حاولت أن تنفلت من فكرة «الاستسلام للمكتوب»، واجتهدت فى تحرير نفسها وحاولت التمرد على القاعدة، وتلك القلة كان مآلها النبذ والتهميش، خصوصاً فى ظل واقع نمطى يسير عقل أغلب أفراده على قضيب، لا يعرف فكرة الانحراف يميناً أو يساراً، وأقصد الانحراف هنا بالمعنى الإيجابى: «التفكير المختلف».

أصحاب التفكير المختلف كان ينظر إليهم جيل الآباء على أنهم «عيال قليلة الأدب»، والمعلمون يعتبرونهم «تلامذة مشاغبين»، والزوجات يصفنهم بـ«الرجالة الفلتانين»، والأبناء بـ«الأبهات اللى مكبّرين دماغهم»، والمسئولون بـ«الشخصيات المزعجة».

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاستسلام للمكتوب الاستسلام للمكتوب



نجوى كرم تُعلن زواجها أثناء تألقها بفستان أبيض طويل على المسرح

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 16:44 2024 الثلاثاء ,02 تموز / يوليو

قائمة تضم 14 فاكهة توفر أعلى وأقل كمية من السكر

GMT 05:52 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

عاصفة شمسية ضخمة تتجه نحو الأرض خلال ساعات

GMT 03:15 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

السعودية تعرف طريقها المرسوم
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab