بقلم - خالد منتصر
فى مثل هذا اليوم سنة 1934 انطلقت الإذاعة المصرية.
فى ردهاتها واستوديوهاتها لى ذكريات لا تُنسى، فى آخر سنة فى كلية الطب بدأت أحلامى فى الكتابة للإذاعة، وبعد تخرجى مباشرة بدأت الكتابة وإعداد البرامج وكتابة المسلسلات الإذاعية.عشقت الإذاعة بكل كيانى، فقد كنت مدمناً، وما زلت، لسماع الإذاعة التى لا تصادر خيالى، وتستفز غدة الإبداع لدىّ، أنا حتى هذه اللحظة لا أستطيع النوم بدون أن يكون بجانبى راديو أو أبليكيشن به محطات إذاعة، وكانت إذاعة أم كلثوم أثناء مذاكرة الثانوية العامة طقساً يومياً روتينياً لا يمكن أن أخونه أو أنساه.
كتبت من الخارج للإذاعة برامج للإذاعية نادية صالح وهالة الحديدى وسلوان محمود وغيرهن من الإذاعيين المخضرمين، كتبت أيضاً للفنان محمود ياسين عدة مواسم من برنامج رمضانى كان يذاع على الشرق الأوسط تحت اسم «مقامات بديع الزمان الرمضانى».
جذبنى عالم الدراما والمسلسلات، تعاونت مع المخرج الجميل يوسف المشرى وعملنا معاً مسلسلات تتنوع ما بين الكوميدى والاجتماعى، وكان آخر تعاون هو مسلسل «بنات القمر» عن قصص عادل حمودة بطولة يسرا ويوسف شعبان وأبوبكر عزت ومعالى زايد وهالة صدقى وماجد المصرى، وتعاونت أيضاً مع المخرج رمزى مجاهد فى البرنامج العام وغيره من المخرجين فى الشرق الأوسط وصوت العرب.تعرفت على عمالقة فى استوديوهات وأروقة الإذاعة، منهم أبلة فضيلة وفاروق شوشة ومحمد أبوسنة ووجدى الحكيم وآمال فهمى وحمدى الكنيسى وإيناس جوهر ومحيى محمود.. وغيرهم وغيرهم من الأصوات التى صاغت وجداننا وشكلت وعينا.
حتى رفيقة عمرى، زوجتى الحبيبة، وُلد حبنا فى استوديو ٣٦ فى إذاعة البرنامج العام بالدور الرابع مبنى ماسبيرو!شاهدت تسجيلات فاروق شوشة لبرنامجه العظيم الخالد «لغتنا الجميلة» داخل الاستوديو، حضرت تسجيل حلقات «زيارة لمكتبة فلان» لنادية صالح، ولقاءات عمر بطيشة فى «شاهد على العصر»، كنت أراقب أبلة فضيلة وهى تحكى بصوتها العذب الطفولى حكاياتها وتؤدى مثل فرقة مسرحية كاملة، عشت متخيلاً أن آمال فهمى تسجل فى الشارع برنامجها «ع الناصية» من فرط الصدق إلى أن اكتشفت أن معظم تسجيلاته فى الاستوديو، شاهدت صلاح جاهين وهو يسلمها حلقات الفوازير، حضرت «كلمتين وبس» للعملاق فؤاد المهندس صاحب الكاريزما والمهابة الذى تسمّرت مكانى عندما شاهدته شحماً ولحماً أمامى، أخرستنى المفاجأة، نزلت إلى المكتبة التى هى كنز حقيقى لا يُقدَّر بثمن، وشاهدت الأستاذ جمعة الأرشيف المتحرك والكمبيوتر الإنسانى الذى بمجرد أن يسأله المذيع عن مادة إذاعية قديمة يريدها فيذكر له فوراً رقم الشريط!الإذاعة بساط الريح وسفينة الفضاء وآلة الزمن والحب الخالد الذى لا يموت.