بقلم : د.محمد الرميحى
الأسبوع الماضي احتفلت الكويت بأعيادها الوطنية، هذا العام هو العيد الثالث والستون منذ الاستقلال، وصادف الأحد 24 شباط (فبراير). مسيرة طويلة من النجاحات والإخفاقات. وصاحبت هذه المناسبة هذا العام بهجة مختلفة للعيد، فالكويت تدخل في عصر سياسي واجتماعي جديد، وفي ظل أجواء طبيعية مريحة وأيضاً ممطرة ودافئة.
على الصعيد السياسي تترقب الكويت حصول انتخابات المجلس التشريعي الجديد، بعدما حُل سابقه في أجواء مشحونة بالشد والجذب، وصلت إلى مستوى من السخونة، إذ تحول بعض أعضاء المجلس المنحل من مشرعين إلى قضاة في محاكم التفتيش. إلا أن السؤال الأهم هو: هل ستغير الانتخابات المقبلة التي يتوقع أن تجرى في آخر رمضان أو بعد عيد الفطر مباشرة، هل ستغير توجهات القادمين الجدد (وربما كثير من عودة القدماء) أم أن الأمر سيبقى على حاله، في حالة صراعية، يستجوب فيها الوزراء قبل أن يقسموا، ويقرر العضو فيها من يدخل إلى البلد من السفراء ومن لا يدخل، في أعمال عبثية وربما طفولية؟
في رأي كثيرين أن الكويت تستحق الأفضل، فهناك أمير يرغب في التطوير، وهناك رئيس وزراء قادر على فهم العصر ومسايرة متطلبات التنمية، كل ذلك يحتاج إلى فريق تشريعي لا يضع في أولوياته إرضاء الناخبين، بل إصلاح مسيرة البلاد التي تلكأت طويلاً وأصيب كثير من أبنائها بالإحباط في إمكان تطوير مسيرة بلدهم إلى الأفضل، هي التي كانت الرائدة في مجالات شتى. المطلوب هو الانتقال من زراعة النكد إلى صناعة الفرح، ومن تحقيق المصالح الفردية إلى تأكيد المصالح العامة والمأسسة.
في أول أيام رئس الوزراء الجديد خاطب الأعضاء بما معناه "نحن شركاء في التنمية"، لم يفهم البعض الرسالة، فظنوا أنهم شركاء فقط وليس في التنمية، إلا أن الشراكة في التنمية كانت آخر ما فكروا به، فتم ما حصل في حل مجلس الأمة السابق، وتكرار الحل ليس ظاهرة صحية بأي معنى في أي بلد يأخذ بالمشاركة، إنما يجبر عليها متخذ القرار أن وجد أن الرسائل التي ترسل لا يؤخذ بها أو لا تفهم، فتعطل المصالح ويجري العبث بالإدارة العامة، واستمر البعض شركاء في النكد، وغاب عن بعضهم أن يكنوا شركاء في الفرح.
الرسالة أن لا يدغدغ المرشحون عواطف جمهورهم ويرفعوا سقف التوجه إلى الاستهلاك بدلاً من الاستثمار لأن في ذلك استمراراً للمسيرة الخطأ.
في ظل انتشار وسائل التواصل الحديثة، ركوب عدد كبير من شبه الحمقى الشعوبيين تلك الوسائل، سوف يفسر الحديث (ومنه هذه المقالة ربما)، أي الحديث نحو الإصلاح تفسيرات كثيرة، إلا أن الواقع هو ما يتوجب أن يصارح به ويجهر به، هو باختصار، إن أردتم رغد العيش لأبنائكم عليكم بالقبول بالإصلاحات التي لا بد منها، وعلى رأسها سيادة القانون على الجميع، إصلاح جذري للتعليم، رفع نوعية الخدمات العامة ومستواها، إحلال الجدارة بدل القرابة أو الولاء في الوظائف العامة، محاسبة عسيرة تحت ظل القانون للمقصرين أو العابثين بالمال العام، ترشيق مؤسسات الدولة بالتخلص من بعض القطاعات وجعلها تحت إدارة القطاع الخاص، وضبط التنمر على الآخرين من دون دليل أو بيّنة!
تلك خطوط عريضة، أما البعض الذي يريد أن يجعل التعليم "سداح مداح" والمناهج ذات طابع مفارق للعصر، ويريد إرسال الأبناء إلى أي جامعة تعطي شهادة فهو في جوقة المزايدين، والذي يريد أن ترقى القرابة على الكفاءة، والتكسب على حساب الموازنة العامة، والتوسط على سيادة القانون، والقناعات الشخصية على مصالح الأغلبية، كل هؤلاء مزايدون، ولا أكثر من المزايدة التي خربت الأوطان وعطلت المصالح.
التراخي والمجاملات والاسترضاء والتسامح في خرق القانون، طريق مؤكد لتراجع الأوطان، بل خطر على الدولة التي بتلك الأدوات تدخل في وادي الدول الفاشلة.
لذلك فإن الخطوات التي اتخذتها الحكومة الحالية من مراجعة شهادات العاملين (والتي أصابتها على مر الزمن خروق فاضحة معروفة لكل من يريد أن يعرف) وضبط أداء الموظف العام، وترشيق أجهزة الدولة، وربما هناك خريطة طريق من أولوياتها تخفيف العبء البيروقراطي الذي ورثته الدولة من مجتمعات كثيفة السكان، هي خطوات مستحقة.
المواطن الكويتي لديه ما يفخر به، كما أن الوطن الكويتي يعج بالكفاءات والقطاع الخاص الكويتي أثبت نجاحه، بل تفوقه في خارج البلد وداخله، ما كان ينقص هو الإرادة والقيادة التي تستطيع مجتمعة أن تقود التغير إلى الأفضل، ويبدو أنها قد توافرت اليوم، والباقي على الجمهور العام في ابتعاده عن المزايدين ومغازلي العواطف إلى الجادين من النساء والرجال في ساحة التنافس الانتخابي القادمة لاختيار أناس يساعدون على التنمية وضبط المسار وزراعة الفرح بالأمل بغد أفضل، فالكويت بما قدمت لأبنائها تستحق الأفضل، فليعمل الجميع على إشاعة النور لا التكالب على إطفائه.