الاشتباك المميت في الشرق الأوسط

الاشتباك المميت في الشرق الأوسط!

الاشتباك المميت في الشرق الأوسط!

 العرب اليوم -

الاشتباك المميت في الشرق الأوسط

محمد الرميحي
بقلم - محمد الرميحي

لم أجد توصيفاً للمشهد المظلم أمامنا أقرب من أنه «مميت» ومستنزف للطاقة ومدمر للأوطان إلى حد إفقارها ووضعها على بوابة الحروب الأهلية. السبب مزمن وهيكلي، وصفته الرئيسية قطع وتصحير الحياة السياسية التعددية من جذورها.

الأساس في هذا المشهد أن متخذ القرار لا يريد، أو ربما لا يعرف كيف يقرأ المتغيرات الحادثة، ويسرف في تجاهلها إلى حد القطيعة، دون تفكير عقلاني. مشهد الاضطراب في كل من إيران والعراق ولبنان وسوريا واليمن وليبيا، وبدرجة أخرى أقل في الجزائر وتونس... كل ذلك الاضطراب يجب ألا يُقرأ في إطار الحاضر، بل لا بد من ربط الحاضر بالماضي كي تتضح الصورة. ليس من الضروري أن يحرق إنسان نفسه كما فعل البوعزيزي كي تقوم ثورة، وليس من الضروري أن تفرض ضريبة بسيطة على الاتصالات كي تقوم ثورة، وليس من الضروري أن يهرم الرئيس حتى يصبح مقعداً فتقوم ثورة، وليس أيضاً من المحتم أن يشيع الفساد لتقوم ثورة!!

عناصر الثورة الأساسية أعمق من ذلك، فهي تجاهلٌ مزمن لتصاعد عدم الرضا، مع انسدادٍ لقنوات رسمية أو شبه رسمية لتنفيسه. ذلك العنصر كان معنا في الأنظمة العربية السابقة، واستمر معنا في الأنظمة القائمة. أنظمة مثل نظام صدام حسين أو «البعث» أو رضا شاه أو علي صالح أو حافظ الأسد أو حسني مبارك أو زين الدين بن علي أو معمر القذافي أو عمر البشير أو بوتفليقة أو «حزب الله» في لبنان، كلها ساهمت في طمس قنوات التعبير المنظمة، ووضعت على فم المواطن شريطاً لاصقاً، حتى وصلنا إلى المشهد الذي نحن فيه، المشبع بالسوداوية، والاستئثار بالسلطة، وتحقيره الجمهور العريض. اليقين أنه لا أحد يفقه في السياسة إلا «ذلك الفذ» سواء أكان قائد الضرورة أم قائداً إلى الأبد!

لو قرأ من هم حول حسني مبارك كتابين صدرا أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكان الناشران قد نشراهما على حسابهما، الأول بعنوان «مصر مش أمي دي مرات أبويا»، والثاني «وجع المصريين» لربما لم تسر الأمور كما حدثت في عام 2011 في مصر. هناك كثير من الكتب التي صدرت أيام الشاه محمد رضا توصف المأزق الذي وصلت إليه إيران تحت إدارته السياسية المتجهة بقوة إلى «كتم الأنفاس» حتى أصبح «السافاك» جهاز القمع الإمبراطوري فزاعة، حتى في عواصم أوروبا، فلم يعد لدى المختلفين والمناوئين إلا منابر رجال الدين، وهم بعيدون عن ابتكار حلول لمشكلات الإيرانيين، فوقعت إيران في فخ التصلب السياسي، المرجعية المنقطعة عن الواقع، وانتقلت من إرهاب الدولة إلى إرهاب الدولة مرة أخرى! لكن هذه المرة بعدد أكبر من الأجهزة.

صلب القضية التي نحن بصددها هو «تكميم الأفواه»، أي ظهور ما يسمى «بإرهاب الدولة»، «تأليه القائد»، فخفتت الأصوات المشيرة إلى الخلل بسبب المطاردة الأمنية، ولم يعد يسمع إلا الشكر، والامتنان للقائد الفذ! أما أوجاع الناس أو أغلبيتهم فتختفي وتحاصر تحت ركام كبير من السجون، والمنافي، فأي صاحب رأي ولو كان ذلك الرأي إصلاحياً يريد أن يُقوم معوجاً في الحياة العامة، متهم ومطارد. لقد تبين في كل تلك التجارب أن الحل الأمني «مُسكّن»، ولكن ليس «معالجاً» للأزمات، إنه يؤخر الانفجار ولا يمنعه.

أينما اتجهت لبحث وتحليل ما نحن فيه من «إجهاد سياسي مخيف»، يفتقر ويموت الناس بسببه بالآلاف في اليمن وسوريا والعراق، وتفلس الدول، كما في لبنان، سوف تصل إلى محصلة هامة أساسية لذلك، ممثلة في «حبس الآخرين عن إبداء رأيهم بشكل منظم، في إطار من القانونية، دون تهديد أو إرهاب»، تلك هي القاعدة.

أين تريد أن تبدأ؟ لنبدأ، خذ لبنان مثلاً، فإن السكوت أو المهادنة أو التحالف الانتهازي مع «حزب يحمل سلاحاً» ويُعلن للقاصي والداني أن قيادته في طهران ولا يحمل للبناني (المعتر أو المعمر) أي عاطفة أو تفهم أو للبنان الوطن أي ولاء، والسكوت عن ذلك تحت ذرائع مختلفة ولزمن طويل، توصل لبنان بالضرورة إلى مرحلة «الصوملة» التي هو فيها دون تزيين أو مجادلة.

المثال الآخر تونس التي يعتقد البعض أنها أيقونة الحراك العربي منذ عقد، هي الآن لا تستطيع أن تشكل حكومة، ولا أن تخلق تنمية، ويتعاطى بعض سياسيّيها الجدد بعدم فهم أو إدراك، فعند بعضهم مصالح الحزب تعلو على مصالح الوطن، والسبب أن بعض التونسيين يحملون آيديولوجيا مفارقة للعصر ونظاماً قادماً من كتم الأفواه وسائراً إلى كتمها من جديد.

المشهد العراقي أكثر سوءاً، فقد تقدمت لحمل النشاط السياسي العراقي مجموعات ليست ذات خبرة أو فلسفة سياسية، بل في معظمها آيديولوجية، وهي صاحبة تجربة صفرية في الإدارة العامة، ومتصدروها يستمدون المساندة من قوة خارجية، هذه الخلطة السامة عصفت بمقدرات العراق وثرواته وبشره وسيادته وتركته مكشوفاً للفساد والأدلجة معاً، جذور ذلك هو فَقْد مرضي لمعرفة إحداثيات الاستحقاقات الحديثة للشعوب، كان ذلك في الأنظمة السابقة، وانتقل إلى الأنظمة اللاحقة، وشهدنا فقراً في قدرات سياسيين جدد إلى حد الخمول والركاكة.

الخروج من هذا المأزق ليس سهلاً، وليس خلال زمن قصير، فالأساس هو القدرة على قياس ومتابعة مستوى عدم الرضا الجماهيري، والاستجابة المنطقية له، مع إقامة ميزان العدل، ومن السذاجة القول المتسرع إن الحل هو في تنصيب صناديق انتخاب ودعوة الجمهور إلى «الصندوق»، فالصندوق اللبناني على خلله لم يستطع أن ينقذ لبنان من المأزق، ولا الصندوق التونسي، حتى الصندوق العراقي!

المخرج هو مشروع دولة حديثة مدنية وعادلة، تضع مصفوفة قوانين عامة ومحترمة من الجميع، تضمن «الحق في الاختلاف السلمي»، ولا يمكن لمن هو جزء من المشكلة أن يكون جزءاً من الحل، ذلك هو المأزق الأعظم. فلا يبدو في الأفق حل في سوريا، ولا في لبنان، ولا في ليبيا، ولا في العراق، ولا في اليمن.. أمامنا سنوات من الصراع العبثي، الذي من الممكن أن يتعدى حدود تلك الدول إلى الجوار، وأن يلوث التفسخ السياسي المشاهَد بقية أعضاء الجسم الصحيح، وهذا ليس سراً، أو يقال خلف أبواب مغلقة، إنه مصمم على نقله من العواصم الأربع التي هي تحت الهيمنة الإيرانية إلى الجوار؛ إذ قال المرشد الإيراني في خطبة الجمعة الأسبوع الماضي إن «(فيلق القدس) لا يعترف بالحدود»، هو عابر للحدود.. ذلك لمن يريد أن يسمع.

آخر الكلام:
من طرائف كتم الأفواه، أن مواطناً سوفياتياً سئل: ما رأيك في الوضع الاقتصادي؟ قال: كما تقول جريدة «إزفيستيا»، قيل له: وما رأيك في تغير المناخ؟ قال: كما تقول صحيفة «برافدا»، قيل له: أليس لديك رأي؟ قال: بلى لكني ضد رأيي!

 

arabstoday

GMT 00:23 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل و«حزب الله».. سيناريو ما بعد التوغل

GMT 00:28 2024 الخميس ,13 حزيران / يونيو

مكاشفات غزة بين معسكرين

GMT 00:37 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

التطبيع بعد القمة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاشتباك المميت في الشرق الأوسط الاشتباك المميت في الشرق الأوسط



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية
 العرب اليوم - واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 19:28 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 09:52 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تشوّق جمهورها لمسرحيتها الأولى في "موسم الرياض"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab