بقلم - عماد الدين حسين
هل هناك احتمال أن يوقف الرئيس الأمريكى دونالد ترامب المعونة الأمريكية لمصر لأنها اتخذت موقفا وطنيا وقوميا واضحا برفض مقترحه بترحيل سكان قطاع غزة إليها؟
الإجابة هى: نعم؛ لأنه من خلال دراسة شخصية ترامب فقد اتخذ العديد من القرارات الأكثر تطرفا سواء داخل بلده أو ضد حلفاء فى الاتحاد الأوروبى وحلف شمال الأطلنطى «الناتو» ناهيك عن خصومه مثل الصين.
شرحنا فى مقال سابق أن أمريكا تقدم مساعدات عسكرية لمصر بقيمة ١٫٢ مليار دولار، وأخرى اقتصادية قيمتها ٢٥٠ مليون دولار عقب توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام ١٩٧٩، وهناك تقديرات لخبراء كثيرين بأن أمريكا تستفيد من هذه المعونة بصورة أكثر من مصر إلى حد كبير.
فى هذا المقال سوف نفترض حدوث السيناريو الأسوأ، وهو أن ينفذ ترامب تهديده أو تلويحه بوقف المعونة.
فى هذه الحالة فإن السؤال الأول هو: هل سوف نتضرر كمصريين من هذا القرار؟
الإجابة هى: نعم. الولايات المتحدة هى أقوى دولة اقتصادية فى العالم بناتج قومى إجمالى قيمته 27.4 تريليون دولار وبفارق عشرة تريليونات عن صاحبة المركز الثانى وهى الصين، كما أن أمريكا صاحبة النصيب والمساهمة الأكبر والتأثير فى صندوق النقد الدولى «١٧٪» وكذلك فى البنك الدولى وبقية مؤسسات التمويل والتصنيف الدولية.
وبالتالى تستطيع أن تؤثر فى الاقتصاد المصرى وخصوصا فى مسألة «الأموال الساخنة» أو إتاحة القروض والمنح سواء منها أو من حلفاء لها.
إذا حدث ذلك فسوف يتأثر الاقتصاد المصرى لفترة انتقالية وليست دائمة، حتى يمكن تجاوز هذا التأثير الأمريكى. والسؤال: هل يمكن للناس أن يتحملوا هذه الآثار؟!
هناك إجماع بين غالبية المصريين ــ أن لم يكن كلهم ــ على رفض تصفية القضية الفلسطينية، ورفض تهجير الفلسطينيين من أرضهم، ورفض العدوان الإسرائيلى المدعوم أمريكيا؛ لأن كل ذلك سوف يؤثر على الأمن القومى المصرى والعربى.
لكن من ناحية أخرى، فإن هذا الموقف قد يؤدى إلى أن تدفع مصر ثمنا اقتصاديا وسياسيا.
سيسأل البعض: وكيف ستدفع مصر هذا الثمن وما علاقته بأحوال المواطنين المعيشية؟!
والإجابة مرة أخرى هى أن الولايات المتحدة لو قررت أن تستخدم نفوذها وأدواتها وأذرعها وأسلحتها الاقتصادية يمكنها أن تؤثر على اقتصادات العديد من الدول. فإذا كانت تفعل ذلك مع الاقتصاد الصينى أو الأوروبى أو الكندى أو ضد مجموعة البريكس، ألا يمكنها أن تفعل ذلك مع الاقتصاد المصرى؟!
الإجابة هى: نعم، لكن السؤال مرة أخرى: إذا كان الخيار بين سيادتنا واستقلالنا وأمننا القومى وبين المعونة الأمريكية، فالأمر محسوم لمصلحة سيادتنا طبعا.
لكن هذا الخيار الحتمى سوف يؤدى إلى هزات ومشاكل اقتصادية، وبالتالى السؤال: هل المواطن العادى مستعد لتحمل هذا الثمن، خصوصا أنه يعانى أساسا من مشاكل وأزمات اقتصادية منذ سنوات عديدة، وقبل أن يعود ترامب للبيت الأبيض، أو حتى قبل بدء العدوان الإسرائيلى على غزة فى ٧ أكتوبر ٢٠٢٣.
من وجهة نظرى وبما أنه من الواضح أن الانحياز الأمريكى للعدوان الإسرائيلى سوف يستمر لفترة طويلة، وبما أنه يصعب التوقع والتنبؤ بقرارات وتوجهات دونالد ترامب، فالمطلوب أن تكون هناك مصارحة رسمية من الحكومة للمواطنين تشرح لهم فيها كامل الصورة بما لا يمس الأمن القومى، وتقول لهم بوضوح إن الخيارات السياسية الواجب اتباعها قد تكلفنا جميعا بعض المعاناة لبعض الوقت. سواء فى نقص سلع معينة أو ارتفاع أسعارها أو تأخر وصول سلع من الخارج.
لا أقصد من قريب أو بعيد أن أثير رعب أو خوف أو هلع الناس، ولكن أن ندرك جميعا أن هناك سيناريو سيئا، لا يمكن أن نستبعده من حساباتنا فى الفترة المقبلة.
فى منطقتنا العربية فإن بعض المواقف السياسية يكون لها ثمن اقتصادى واجتماعى، وبالتالى فإن على الحكومة ووسائل الإعلام البدء فى وضع الناس فى صورة ما يحدث والسيناريوهات المختلفة فى إطار التماسك الوطنى الداخلى الذى إذا أجدنا بناءه سوف يتصدى لكل المخططات والمؤامرات الخارحية مهما كانت قوتها.