بقلم - عماد الدين حسين
فى الثانية والنصف من ظهر يوم الأحد الماضى، كان موعد جلسة «سبل تعزيز التعاون بين دول المتوسط فى مواجهة التحديات المشتركة» فى قاعة الفيروز بمركز المؤتمرات الدولى فى شرم الشيخ.
القاعة صغيرة إلى حد ما، والجلسة أقرب إلى مائدة مستديرة. ولأن عنوان الجلسة مشوق ومغرٍ، فقد كان الإقبال على حضورها كثيفا للغاية.
رأيت رؤساء تحرير كبارا يحاولون دخول القاعة، لكنهم لم يجدوا مكانا، فعادوا إلى الفندق، كى يتابعوا الجلسة عبر التليفزيون.
لماذا كانت هذه الجلسة مهمة، ولماذا كان الإقبال عليها كبيرا؟!.
التطورات الراهنة فى الملف الليبى وفى مياه شرق البحر المتوسط هى التى فرضت هذا الاهتمام.
هناك تطور مهم جدا فى العمليات الميدانية فى ليبيا، بعد إعلان المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطنى الليبى، بدء ساعة الصفر لتحرير العاصمة طرابلس من سيطرة الميليشيات.
ويرتبط بذلك أيضا الاتفاق المفاجئ الذى وقعته حكومة ما يسمى بالوفاق الوطنى التى يرأسها فايز السراج مع الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، ويتيح للأخير فرض نفوذه على طرابلس ومياهها الإقليمية وتهديد مصالح الدول الأخرى خصوصا قبرص واليونان ومصر، سواء فى ترسيم الحدود البحرية، أو التنقيب عن الثروات الطبيعية، وبالأخص الغاز. ويرتبط بذلك أيضا إعلان أردوعان أن بلاده ستدرس أى طلب من ميليشيات طرابلس لإرسال قوات إلى ليبيا، والمعروف أن السلاح الرئيسى الذى تحارب به هذه الميليشيات قادم بحرا من تركيا. وكان لافتا أن كبار مسئولى حكومة الوفاق قد كثفوا من لقاءاتهم مع المسئولين الأتراك خصوصا العسكريين فى الآونة الأخيرة ليس فقط فى تركيا، ولكن فى قطر أيضا.
كان كثيرون ينتظرون ما سيقوله الرئيس عبدالفتاح السيسى فى هذه الجلسة.
وبالفعل تحدث وقال نصا: «ليبيا أصبحت دولة معبر للهجرة غير الشرعية، وتمكنت مصر من السيطرة على هذه الظاهرة، والأمن القومى المصرى يتماس بشكل مباشر مع الأوضاع فى ليبيا، كان من الأولى أن نتدخل بشكل مباشر هناك، ولدينا القدرة على ذلك، لكن لم نفعل، واحترمنا ظروف ليبيا، وكانت رغبتنا هى الحفاظ على روابط الأخوة بين المصريين والليبيين، فضلا عن الشعب الليبى، الذى لن ينسى لنا تدخلنا بشكل مباشر فيما يمس أمنه. نحن لا نتآمر على أحد، وحل أى أزمة يأتى بالحوار والصبر والتفاوض».
لكن أهم ما قاله الرئيس السيسى فى هذه المائدة المستديرة هو: «أن الدولة الليبية تعانى من وجود قوى أخرى تنازع الاستقرار داخلها نتيجة تنفيذ أجندتها، والحكومة الليبية بلا إرادة حقيقية خلال السنوات الماضية، لأنها أسيرة للميليشيات المسلحة الإرهابية فى طرابلس بمنتهى الصراحة كده».
ما قاله الرئيس السيسى تطور مهم جدا، هو يكشف بوضوح الرؤية المصرية القائلة بأن السراج صار أسيرا للميليشيات الإرهابية المدعومة تركيا وإخوانيا، وبالتالى فإن كثيرين سألوا بعد هذه التصريحات: هل حان وقت سحب مصر اعترافها بحكومة السراج الذى ترى القاهرة أنه انقلب على جوهر اتفاق الصخيرات؟
النقطة المهمة الأخرى هى السؤال الذى قد يسأله كثيرون بعد كلام الرئيس: هل معنى ذلك أن مصر لن تتدخل فى ليبيا وستترك الميليشيات المتطرفة والإرهابية تهدد أمنها القومى؟!
هذا سؤال مشروع، ويبدو أن الرؤية العامة هى أن التدخل المباشر قد يكون فخا منصوبا لمصر، كى تغرق فيه على غرار ما حدث فى اليمن فى الستينيات من القرن الماضى. وهؤلاء يقولون أن إجابة الرئيس كانت واضحة: «لن نتدخل بشكل مباشر فى ليبيا». وبالتالى على الجميع أن يفهم الفرق فى الصياغة اللغوية.
النقطة الثانية هى ما أعلنه الرئيس قبل نحو أسبوع أمام منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة في إفريقيا، حينما فاجأ الجميع بقوله إن هناك حلا جذريا سياسيا للأزمة فى ليبيا خلال شهور قليلة، هذا الكلام أربك كثيرين خصوصا أن الأوضاع ملتهبة فى كل ما يتعلق بليبيا لكن المؤكد أن السيسى لم يطلق هذا التصريح اعتباطا، وربما تكون هناك تسوية بشكل أو بآخر، تلبى المطالب المصرية الأساسية، ولا تتضمن وجودا مؤثرا للميلشيات الإرهابية فى المشهد الليبى.
فى كل الأحوال الملف الليبى قد يشهد المزيد من المفاجآت فى الفترة المقبلة، خصوصا أن أردوغان يسعى بكل السبل لترسيخ وجود جماعة الإخوان فى ليبيا، بعد أن فشل أن يفعل ذلك فى مصر وبقية المنطقة العربية خصوصا سوريا.