بقلم - عماد الدين حسين
مستقبل الصحافة المصرية» هذا هو عنوان جلسة نقاشية على مسرح ألفا فى الدورة رقم ٢٠ بمنتدى الإعلام العربى الذى انعقد يومى الثلاثاء والأربعاء الماضيين فى دبى.
كنت مشاركا فى هذه الجلسة بصحبة الزملاء والأصدقاء عبداللطيف المناوى رئيس تحرير المصرى اليوم وأحمد المسلمانى رئيس مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجية وأدارها باقتدار الإعلامى المعروف معتز الدمرداش والذى يعمل الآن فى قناة «الشرق» للأخبار بدبى.
قبل أن ندخل إلى هذه الجلسة بدقائق كان تم إعلان أسماء الفائزين بجوائز الصحافة العربية لهذا العام.
الأسماء الأربعة الأولى كانت كلها مصرية بامتياز وهم الأساتذة والزملاء محمد نبيل حلمى زميلنا السابق فى «الشروق» ويعمل الآن فى مكتب «الشرق الأوسط» بالقاهرة، ومحمد عيسى من «الأهرام العربى» ومحمد الصاوى من «مصراوى» وحسين الزناتى رئيس تحرير مجلة «علاء الدين» بمؤسسة الأهرام. وبعد ذلك تم إعلان فوز منصة رقمية مصرية هى «Follow ict» لتامر إمام، وبعدها فاز برنامج منى الشاذلى «معكم» بجائزة أفضل برنامج مرئى.
حينما جاء دورى فى الكلام قلت إن الفوز المصرى بأكبر عدد من الجوائز هذه الدورة، هو أحد أهم الأدلة على أن الإعلام المصرى ما يزال بخير رغم كل التحديات.
نعم قلت وأكرر أن هناك مشاكل وأزمات وتحديات صعبة تواجه الصحافة المصرية والعربية بل والعالمية، لكن ذلك لا يجعلنا نتعامل مع الأمر وكأنه نهاية درامية لهذه المهنة شديدة الأهمية.
عبداللطيف المناوى قدّم معلومات إحصائية مهمة عن تراجع مبيعات الصحف الورقية وكذلك تراجع عائداتها من الإعلانات، والصديق أحد المسلمانى تحدث عن خطورة غياب الصحافة العلمية وتراجع الاهتمام بها بشكل عام، وما قاله الصديقان صحيح، وإضافة إلى ذلك فعلينا ونحن نتحدث عن الأمر أن ننظر بصورة شاملة وموضوعية.
الصحافة لا تعنى فقط الصحف الورقية، بل تعنى كل ما يتم إنتاجه من صحافة وإعلام بغض النظر عن الوسيلة، سواء كانت ورقية أو تليفزيونية أو رقمية أو عبر أى وسائط بما فيها التليفون المحمول.
الصحافة كمهنة باقية حتى تقوم الساعة، الذى سيتغير فقط هو الوسيلة. وتاريخ هذه المهنة شهد العديد من الوسائل من أول النقش على الجدران مرورا بالكتاب والإذاعة والتليفزيون نهاية بالإنترنت وتطبيقاته وتجلياته المختلفة.
وإذا كانت الصحف الورقية تراجعت كثيرا، فإن الصحافة الرقمية توسعت بشكل أكبر. فى الماضى كانت بعض الصحف توزع مليون نسخة أو أكثر فى أعدادها الأسبوعية ثم تراجع هذا الرقم إلى أقل من ٥٠ ألف نسخة، لكن الجدير بالملاحظة هو أن الموقع الإلكترونى لبعض الصحف يتراوح عدد متابعيه من خمسة ملايين إلى العشرين مليونا.
خلال كلامى قلت علينا أن نهتم بالمضمون والمحتوى، لأن ذلك هو الذى سيحل غالبية المشكلات.
وجود محتوى متميز ومتنوع وتنافسى فى ظل حرية حقيقية أو حتى هوامش منها، هو الذى يشكل الأكسجين الأساسى لمهنة الصحافة والإعلام وبغير ذلك تضمر هذه المهنة ويتراجع دورها وتأثيرها وينصرف الناس إلى منصات أجنبية بعضها متربص وغير أمين.
لكن بجانب الحرية هناك عوامل مهمة يجب توافرها وأهمها الكفاءة والتدريب والتأهيل وحسن الإدارة الاقتصادية للمؤسسات، ومن دون ذلك لن تتقدم الصحافة حتى لو تمتعت بكل درجات الحرية، فغياب التأهيل والتدريب فى ظل الحرية يعنى تحول الأمر إلى فوضى عارمة.
وسائل التواصل الاجتماعى وبحكم تعريفها ليست وسائل إعلام. هى تعتاش على الإعلام الحقيقى، ولا يمكن أن تحل محله مهما انتشرت. الأصل هو وجود وسائل إعلام تقليدية أو غير تقليدية تقدم أخبارا وتقارير وتحليلات تخضع للقواعد المهنية ويمكن التحقق منها ومحاسبتها. هذه المواد الصحفية هى التى يمكن أن نراها على وسائل التواصل الاجتماعى، وحتى ما ينشره بعض الأفراد المعروفين والمشهورين فى صفحاتهم أو مدوناتهم، فهو يمكن أيضا أن يخضع للتدقيق المهنى ويتعامل معه القانون باعتباره وسيلة إعلامية.
قلت إنه إذا استطاعت الصحافة المصرية أن تواجه مشاكل الصناعة الصعبة وارتفاع الأسعار، وأن تدرب محرريها طوال الوقت خصوصا على قواعد المهنة وحسن استعمال التكنولوجيا، وإذا توافر هامش حرية معقول، فإن الصحافة المصرية بما فيها الورقية يمكنها استعادة معظم عافيتها فى وقت قريب جدا.
مع التمنيات الطيبة بكل التوفيق للصحافة المصرية والعربية التقليدية وغير التقليدية.