الخطر الأكبر على السودان

الخطر الأكبر على السودان!

الخطر الأكبر على السودان!

 العرب اليوم -

الخطر الأكبر على السودان

بقلم - عثمان ميرغني

 

التاريخ القريب يعلمنا أن الدول التي انهارت جيوشها، أو فرطت فيها بحلها وتفكيكها، دفعت ثمناً باهظاً وعانت من انفراط عقد الأمن وعدم الاستقرار، ومن التقسيم والتشرذم، ما جعلها ساحة للصراعات والحروب الداخلية، والتدخلات الخارجية.

الصومال منذ انهيار الحكومة المركزية والدولة في عام 1991، لم يعرف طعم الاستقرار وأصبح نهباً للحروب الداخلية والتفكك والتدخلات الخارجية.

العراق منذ الغزو الأميركي وحلّ جيشه في عام 2003 دخل في مرحلة طويلة من الفوضى والعنف وعدم الاستقرار، لا يزال يعاني من آثارها ويدفع فاتورتها الباهظة.

ليبيا أيضاً لم تسلم ودخلت في دوامة العنف والتشرذم وعدم الاستقرار منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي وحل وتشتت الجيش. أما اليمن فهو حالة خاصة من الصراعات والنزاعات والحروب الأهلية والقبلية المتشعبة والممتدة منذ فترة طويلة، التي تواصلت مع تنحية الرئيس علي عبد الله صالح الذي شبّه حكم بلاده بالرقص على رؤوس الثعابين.

السودان ربما لم يصل إلى هذه المرحلة، لكنه ليس محصناً منها إذا استمرت الأمور على هذا المنوال، وطال أمد الحرب التي تزداد تعقيداتها ومعاناتها ومخاطرها يوماً بعد يوم، بعدما بلغت نقطة «الشر المطلق» على حد الوصف الذي استخدمته الأمم المتحدة في حديثها عن العنف الذي استشرى ووصل إلى مرحلة الإبادة على أساس عرقي وقبلي في دارفور. وفي ظل هذه الظروف المعقدة يتعرض الجيش السوداني إلى هجمة غير مسبوقة، في ظل التجاذبات والصراعات السياسية التي عصفت بالبلد ودفعت به إلى أتون هذه الحرب، وفي ظل سير المعارك الجارية وسيل التحليلات الذي لا ينقطع في وسائل التواصل الاجتماعي. فمع كل انسحاب للجيش من موقع، تضج المواقع المختلفة بالتحليلات والتأويلات والتجاذبات بين المشككين الذين يتحينون الفرص للضرب في الجيش، وبين المدافعين عنه بوصفه المؤسسة التي تحمي الوطن في وجه هجمة تهدد وحدته وتماسكه.

لقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي نقمة أحياناً بسبب مشكلة النقل الأعمى والكسول بلا تمحيص أو تفكير. ففي ظل غياب الإعلام الرسمي وتفوق قوات الدعم السريع بشكل كبير على الجيش في معركة الإعلام منذ بداية الحرب وحتى اللحظة، أصبح المواطن نهباً للشائعات، وفي حيرة من أمره إزاء الأخبار والتقارير المتضاربة، والتحليلات والاجتهادات التي تعج بها وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يعرف في بعض الأحيان مصدرها في ساحة مكشوفة توجد فيها أجهزة وأدوات أطراف خارجية.

أخطر ما في هذه المعركة هو تكرار الشعارات التي تدمغ الجيش بأنه «جيش الكيزان» أو «جيش الفلول» والتي انتقلت من بعض النخب السياسية والمدنية لتصبح لافتة ثابتة تستخدمها قوات الدعم السريع في الحرب ضد الجيش. فعلى الرغم من أنه ليس هناك من ينكر أن الإسلاميين تغلغلوا في الجيش، فإنه ليس صحيحاً أن الجيش كله أو حتى غالبيته من «الكيزان»، واستخدام هذه الشعارات بهذه الكيفية والكثافة بات ورقة لا ترمي لإضعاف الجيش في المعركة الراهنة وحسب، بل قد يستخدمها البعض حجة لتفكيكه لاحقاً. وقد كان لافتاً أن أحد الوجوه القيادية في قوات الدعم السريع تحدث علناً وفي مقطع فيديو يتباهى فيه بـ«الانتصارات» الأخيرة، عن أنه بعد الآن لا يكون الحديث عن دمج «قوات الدعم» في الجيش، بل دمج الجيش في قوات الدعم.

الحقيقة أن خطاب دمغ الجيش بأنه «جيش الكيزان والفلول» تبنته قوى منخرطة في تحالف قوى الحرية والتغيير وخارجه في إطار المعركة السياسية التي كانت دائرة إبان الفترة الانتقالية، وضمن الكلام الذي استندت إليه الدعوات لإصلاحه، وهي دعوات يشتط فيها البعض أحياناً بالحديث المبطن عن تفكيكه وإعادة بنائه. ليس هناك من يعترض على أن الجيش في حاجة إلى عملية إصلاح، فحتى العسكريون يقرون بذلك. هذا الإصلاح تستدعيه عوامل كثيرة منها ما كشفت عنه هذه الحرب من بعض أوجه القصور مثل النقص في قوات المشاة، وفي بعض أوجه التسلح والتدريب لمواجهة مختلف الظروف بما فيها حرب المدن. ومنها مسائل أكثر تعقيداً مثل كيفية إبعاده عن السياسة التي أضرت به وبمهنيته، بل وأضعفته، وفتحت أبوابه أمام تغلغل قوى سياسية تريد اتخاذه مطرقة لتحقيق طموحاتها في الوصول إلى السلطة عبر طريق الانقلابات لا عبر صندوق الانتخابات.

قضية إصلاح الجيش تتداخل وتتشابك معها أيضاً معضلة قوات الدعم السريع ومستقبلها بعد كل هذا الذي جرى. فإذا كانت قضية دمجها في القوات المسلحة صعبة وشائكة قبل الحرب، بل كانت ضمن العوامل التي أسهمت في إشعالها، فإنها أصبحت الآن أكثر تعقيداً، لا سيما في ظل التجاوزات والانتهاكات الخطيرة التي ارتكبتها، وأكسبتها عداء وكره قطاعات كبيرة من المواطنين الذين باتوا يرفضون تماماً فكرة الدمج أو أن يكون لهذه القوات أي دور أو وجود في الساحة. وما يزيد الأمر خطورة هو التجاذب الحاصل بين القوى السياسية المتصارعة، وتحديداً بين الإسلاميين الذين يرون فرصة لإقصاء هذه القوات وحلفائها من المشهد، وبين قوى الحرية والتغيير التي تتمسك بعملية الدمج وترى دوراً لـ«الدعم السريع» في تحقيق مقاصدها لتحجيم تغلغل الإسلاميين في القوات المسلحة، بل ولإقصائهم عن الساحة تماماً.

السودان يمر بمرحلة بالغة الخطورة في ظل هذه الحرب المستعرة التي لا أحد يستطيع الجزم بمآلاتها، وآخر ما يحتاجه الآن هو إضعاف جيشه أو انهياره بأي شكل وتحت أي ظرف. فنحن نرى اليوم بعض الحركات المسلحة تتنمر وتهدد لأنها ترى الدولة تضعف، والجيش مشغول بحربه ضد «الدعم السريع». حتى الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبد العزيز الحلو التي راهن عليها البعض لدعم التحول الديمقراطي، خيبت الآمال عندما استغلت ظروف الحرب الراهنة وانشغال الجيش لتحاول قضم المزيد من الأراضي وتوسيع رقعة سيطرتها. كذلك رأت أطراف في حكومة جنوب السودان فرصة في هذه الحرب لكي تدفع بقواتها إلى منطقة أبيي المتنازع عليها، في مؤشر على أن هناك أطرافاً عدة داخلية وخارجية تتربص وتتحين الفرصة للنهش في جسد السودان الذي يبدو اليوم في أضعف حالاته.

مطالب الإصلاح مطلوبة، وكذلك دعوات ابتعاد الجيش عن السياسة، لكنها لا ينبغي أن تصبح ورقة تؤدي، بشكل أو آخر، إلى انهياره الآن أو تفكيكه في وقت لاحق، لأن ذلك سيكون أكبر خطر على البلد، والدروس كثيرة وماثلة حولنا.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخطر الأكبر على السودان الخطر الأكبر على السودان



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 16:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يرد على قرار المحكمة الجنائية الدولية
 العرب اليوم - نتنياهو يرد على قرار المحكمة الجنائية الدولية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر

GMT 03:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تطالب بتبني قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة

GMT 06:00 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتلة صورة النصر

GMT 18:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 18:00 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يكشف سر تكريم أحمد عز في مهرجان القاهرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab