ديمقراطيات تحت الاختبار

ديمقراطيات تحت الاختبار!

ديمقراطيات تحت الاختبار!

 العرب اليوم -

ديمقراطيات تحت الاختبار

بقلم:عثمان ميرغني

حتى الديمقراطيات الراسخة يمكن أن تمر بفترات تتعرض فيها لهزات واختبارات تجعلك تشك، ولو لوهلة، في متانتها. أميركا مرت بمثل هذه التجربة مع الرئيس السابق دونالد ترمب الذي ختم فترته الرئاسية بالتشكيك في الديمقراطية الأميركية برمتها، وبتهيئة الأجواء لاقتحام الكونغرس في محاولة صريحة من أعوانه لتنفيذ انقلاب على النظام الديمقراطي.

بريطانيا، وهي ديمقراطية أعرق من أميركا بكثير، تمر كذلك باختبار ديمقراطي مع رئيس وزرائها «المُقال» بوريس جونسون الذي لا يريد مغادرة المنصب، وما يزال يقول لأصدقائه إنه لا يريد الاستقالة وسيبقى إذا دعمته قواعد حزب المحافظين، بل وعلى استعداد لأن يفعل أي شيء يمكّنه من البقاء رئيساً للوزراء. بمعنى آخر فهو يحاول تحريض أنصاره للتمرد والضغط على قيادات ونواب حزبه المحافظين في البرلمان للعدول عن قرار إجباره على الاستقالة، وفرض استمراره في موقعه.
جونسون مثل ترمب شخصية شعبوية مغرمة بالسلطة، والشعبوية في تقديري من أكبر مهددات الديمقراطية. فالقيادات الشعبوية لا تأبه في العادة بحكم المؤسسات، بل تحاول تجاوزه كي تحكم على هواها، وتريد أن تتصرف خارج الضوابط وكأن القانون الذي يسري على الآخرين لا يسري عليها. هذا الأمر كان واضحاً على سبيل المثال في سلسلة الفضائح التي عصفت بفترة جونسون؛ من الحفلات التي أقامها في مقر رئاسة الوزراء في ذروة جائحة «كورونا» في خرق فاضح لإجراءات الإغلاق والتباعد التي فرضتها حكومته على الناس، إلى «كذبه» مراراً على البرلمان والشعب حول تمويل الديكور الجديد لمسكنه في 10 داوننغ ستريت، وبشأن قضايا أخرى.
ترمب أيضاً كان يحب أن يتصرف على هواه، لذلك كثيراً ما اصطدم مع وسائل الإعلام التي كانت ترصد هفواته وتصريحاته المجافية للحقيقة. لكن أكبر خطاياه كانت محاولته قلب نتيجة انتخابات الرئاسة التي عدها «مزورة» في ولايات لم يفز بها، ورفضه الاعتراف بالهزيمة حتى اللحظة غير آبه بالضرر الذي يلحقه بالديمقراطية الأميركية. وعلى الرغم من أحداث اقتحام الكونغرس التي تجرى التحقيقات حول ملابساتها، وحول دور الرئيس المحتمل في تهيئة أجوائها ومحاولته التأثير على مسؤولين لتغيير نتيجتها، فإن ترمب ما زال يلمح إلى أنه ينوي العودة والترشح لانتخابات الرئاسة في 2024.
الأمر المثير للتساؤلات والقلق هو أن ترمب ما زال يحظى بتأييد واسع في قواعد الحزب، بل وفي أوساط عدد من أعضائه في الكونغرس الذين يراهنون على قدرته الشعبوية و«جاذبيته» في حشد وتأجيج الناخبين. وأنصار ترمب والمرشحين الذين يتلقون دعمه يفوزون اليوم في الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشحي الحزب لانتخابات الكونغرس النصفية التي ستجري في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل ويتوقع أن تغير تركيبة المجلس لمصلحة الجمهوريين. هذه الانتخابات سيكون لها تأثير كبير على ما تبقى من فترة بايدن، وعلى حظوظ ترمب السياسية ومشروعاته المستقبلية.
في بريطانيا أيضاً هناك جدل حول حملة يقودها البعض لدعم محاولات جونسون البقاء في منصبه، وإجبار نواب الحزب في البرلمان على السماح له بالعودة عن الاستقالة. فقد نشر موقع «كونسيرفاتف هوم» عريضة تطالب بإعطاء أعضاء الحزب فرصة للتصويت بشأن قرار إقالة جونسون.
ويؤيد العريضة أحد كبار المانحين الذين يتبرعون للحزب، وهو بيتر كروداس، وعضو البرلمان الأوروبي السابق ديفيد كامبل بانرمان الذي قال أول من أمس إن نحو 14 ألف شخص وقعوا حتى الآن. ويستند مؤيدو جونسون إلى هذا الاستطلاع للادعاء بأن نسبة مقدّرة من قواعد الحزب تؤيد إعادته لمنصب رئيس الوزراء، أو على الأقل وضع اسمه على ورقة الاقتراع مع المرشحين الآخرين، ريشي سوناك وزير الخزانة وليز تراس وزيرة الخارجية، بحيث تكون هناك فرصة للأعضاء للتصويت لإعادة اختياره لمنصب رئيس الوزراء لو رغبوا. في الوقت ذاته ترددت تكهنات عن تمرد محتمل من أعضاء الحزب ضد المرشحيْن الحالييْن لزعامة الحزب ومنصب رئيس الوزراء بهدف ضرب العملية وإجبار الحزب على إعادة النظر في التخلص من جونسون.
وعلى الرغم من أن قيادات من المحافظين تشكك في العريضة على أساس أن أكثر الموقعين عليها ليسوا أعضاء مسجلين في الحزب، إلا أن المسألة فتحت باباً للجدل، وأضافت للتساؤلات المثارة بشأن آلية اختيار زعيم الحزب، الذي سيصبح تلقائياً في الحالة الراهنة رئيساً للوزراء خلفاً لجونسون. فوفقاً للوائح الحزب الحالية فإن اختيار زعيمه يتم عبر عملية من مرحلتين؛ الأولى يقوم فيها نواب الحزب في البرلمان بالتصويت لتصفية المرشحين حتى يتبقى اسمان فقط، يتم الدفع بهما في المرحلة الثانية إلى عضوية الحزب للتصويت عليهما من قبل الأعضاء المسجلين رسمياً والملتزمين بسداد رسوم العضوية، ويصبح الفائز هو الزعيم الجديد.
المشكلة هنا أن عضوية الحزب التي ستقرر الزعيم المقبل تقدر بنحو 160 - 180 ألفاً، نحو 97 في المائة منهم من الرجال، البيض، الذين يعيش أغلبيتهم في جنوب إنجلترا، ومتوسط أعمارهم 60 عاماً. فكيف يعقل أن يقرر هذا العدد الضئيل الذي يمثل أقل من 0.03 في المائة من مجموع الناخبين، من يكون رئيس وزراء بريطانيا المقبل؟
هذا العدد الصغير لا يمثل قاعدة الحزب العريضة التي تصوت له في الانتخابات لكنها غير مسجلة رسمياً في قوائم العضوية. ففي الانتخابات الماضية في عام 2019 صوت 14 مليون شخص لحزب المحافظين، ليسوا بالضرورة كلهم من المنتمين للحزب، وهؤلاء، أو فلنقل الأغلبية العظمى منهم، ليست لديهم كلمة الآن في الشخص الذي ستختاره قلة ضئيلة ليكون الزعيم القادم، لا لحزب المحافظين فحسب، بل لبريطانيا كلها طيلة الفترة المتبقية حتى الانتخابات العامة المقبلة المقررة في 2024.
لذلك ليس غريباً أن نسمع اليوم أصواتاً في حزب المحافظين تدعو لتغيير هذه الآلية في اختيار زعيم الحزب. ويرى الداعون لهذا التغيير أن الأمر يجب أن يترك لنواب الحزب في البرلمان لاختيار الزعيم لأنهم يعرفون قوة كل مرشح من زملائهم ونقاط ضعفه أفضل بكثير من أعضاء الحزب العاديين.
أضف إلى ذلك أن النائب بمجرد انتخابه في الانتخابات العامة فإنه يصبح ممثلاً لدائرته كلها، بمن فيها من محافظين وعمال وليبراليين ديمقراطيين أو غيرهم، ولا يمثل قواعد حزبه فقط. وبالتالي فإن هذا النائب عندما يصوّت اليوم لانتخاب زعيم الحزب الذي سيصبح رئيس الوزراء تلقائياً، فإنه يحمل ثقل دائرته كلها.
بريطانيا مثل أميركا، تواجه اختباراً للديمقراطية وسيبقى كل من جونسون وترمب شوكة في خاصرة حزبيهما وهما يحاولان إيجاد طريقة للعودة إلى السلطة.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ديمقراطيات تحت الاختبار ديمقراطيات تحت الاختبار



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 17:12 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
 العرب اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
 العرب اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف

GMT 08:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

تنسيق الأوشحة الملونة بطرق عصرية جذابة

GMT 09:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات أوشحة متنوعة موضة خريف وشتاء 2024-2025

GMT 06:33 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صهينة كرة القدم!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab