الحب والاختراع

الحب... والاختراع!

الحب... والاختراع!

 العرب اليوم -

الحب والاختراع

تركي الدخيل
بقلم - تركي الدخيل

العظماء، هم الذين يخترعون الاختراعات التي تشكل فرقاً في حياة البشر، فتحول المعاناة، إلى راحة، والألم، إلى شفاء، والصعوبة، إلى سهولة.

إنهم أولئك الذين يكتشفون الأدوية، التي تشفي من الأسقام، والأمصال، التي تصبح ترياقاً لكل علة كانت تجثم على نفس المصاب بها، والقريبين منه، والمعرضين للعدوى إذا كانت هذه الأدواء، من القابلة للانتقال بالعدوى.

إنهم، أشخاص مميزون، يهبهم الله، الذكاء، والجَلَدَ على ممارسة عشرات المحاولات الفاشلة، وربما مئات المحاولات، دون أن يحبطهم تكرار الفشل، تلو الفشل، ولو استسلموا للإحباط، وأعرضوا عن مواصلة العمل بهمم تطاول عنان السماء، لما أصبحوا هم العظماء.

إنهم أولئك الذين يهبون أنفسهم، وأوقاتهم، وعقولهم المميزة، للبحث مئات الساعات، بدأب لا يعرف الملل، ويقضون في معامل الأبحاث، الأيام والليالي، يرتكبون الأخطاء، تلو الأخطاء، والتجارب الفاشلة، إثر التجارب الفاشلة، حتى تضيق دائرة الخطأ، فتظهر بارقة النجاح، وضوء الصواب، ولا تسل ماذا يغير هذا النجاح، في حياة البشرية، لأنه يقلبها في كثير من الأحيان، رأساً على عقب، ويحولها من حالٍ، إلى حال!

كيف كانت الحياة، ستكون، لو لم يخترع السيد ويليس كارير، جهاز التكييف، في عام 1902؟!

ولا أحد يعرف معنى الإحساس بهذا السؤال - المعاناة، والأكثر إحساساً بعظمة هذا الاختراع، هم الذين يعيشون في بلدان، مثل بلداننا في الجزيرة العربية، حيث لا تخشى درجات الحرارة عندنا، من معاقرة الخمسين درجة، بلا خجل ولا حياء، بل بمنتهى الجرأة، وغاية الصفاقة!

ومع أني أضرب مثالاً للتعبير عن أهمية التكييف صيفاً، في نهايات شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، مما يعني أن الإحساس بقيمة المثال، لن يكون بين الأثر، شديد الوطأة، لو كنتَ تقرأ هذه السطور، سيدي القارئ، مثلاً في شهر أغسطس (آب)، الموصوف باللهاب، حين تقرر السيدة الشمس، أن تمارس سطوتها عليك، وأنت تقود سيارتك، أو في طريق انتقالك من السيارة إلى المكتب، في مسافة المائة متر، التي تُظهر لك فيها الشمس، قدرتها على التنكيل بك، وكأن بينك وبينها ثأرٌ قديم... وعميق!

حينها فقط سيكون، جهاز التكييف، أحنُ عليك، من أقرب الأقربين، وكلما تخيلت شكل معيشتك في هذه الرمضاء من دون تكييف، ستعرف قيمة العظماء، وخاصة السيد كارير، وليس بغريب أن تختصه بدعوة صالحة في ظهر الغيب، حتى بعد رحيله بنحو قرن كامل!

ولو حاولنا أن نتفق على أهم عشرة اختراعات في تاريخ البشرية، فمن الصعوبة أن يتفق الناس على ذات الاختراعات، على أن كثيرين سيختارون بينها: الهاتف، والكهرباء، والإنترنت، وإن اختار أحدهم السفن، فما جانب الصواب، لكن من سيختار مقابل ذلك العجلة، لن يجانبه الصواب، ويعد أقوامٌ بين أهم الاختراعات: الكتابة، والساعة، والنقود، والبوصلة، والصفر، والسيارة، والطائرة، وتطول القائمة، دون أن يتسبب الطول في التقليل من أهمية ما يعدد.

لا يحق لنا أن نستبعد اكتشافات العالم الأسكوتلندي الجليل، ألكسندر فلمنغ، عالم الجراثيم أو الباكترويولوجيا، وهو مكتشف البنسلين، في عام 1928.

كل هؤلاء العظماء، من المكتشفين، والمخترعين، والمبدعين، كانوا يفوقون المستويات الطبيعية للإنسان العادي، في مقاييس الذكاء، ولذلك فهؤلاء هم صفوة الصفوة، وزبدة الزبدة.

دعكَ من الاختراعات الرئيسية التي كانت فارقة في تاريخ البشرية، واذهب إلى اكتشافات أو اختراعات نستخدمها كل يوم، ولا نتصور حياتنا دونها، دون أن نفكر كيف عنّت فكرتها لمخترعها، أو مكتشفها. خذ مثلاً: السحّاب، الذي يستخدم في معظم الملابس، أو المكنسة الكهربائية التي قلصت عملية التنظيف وقتاً، وسهلتها جهداً. أو طفاية الحريق، التي تسهل إخماد النيران، بعيداً عن الطرق التقليدية الأشد خطراً، وأصعب ممارسة. علب حفظ الطعام، مفتاح العلب، الثلاجة، ممسحة زجاج السيارة من المطر، وتخيل كيف كانت السيارات تسير وقت هطول المطر الكثيف، من دون أن يكون هناك مساحة الماء، التي يمكن أن تزيل غبش الرؤية للسائق. ورق التواليت، حيث كان الأغنياء يستخدمون ورق الساتان والصوف للتنظيف، أما الفقراء فورق الشجر وما شابهه.

هل تخيلت كيف طرأت فكرة اختراع الحذاء، لمن ابتكره أو اخترعه، وكيف كان أثر سير الأمم حفاة، لو لم يتفتق عقل هذا العظيم عن فكرة الحذاء. تأمل في اختراعات ستكون حياتنا مختلفة من دونها، مثل الكومبيوتر، المصعد، التلفزيون، الراديو، المطبعة، إطارات السيارة، الآلة الحاسبة، القلم الرصاص، والقلم الجاف، وقلم الحبر، المسدس، الغسالة الكهربائية، آلة الحلاقة، الميزان، النظارة الطبية، الدراجة الهوائية، والدراجة الكهربائية، كاميرا التصوير، الحقنة (الإبرة)... والحبل على الجرّار.

تروى قصة أن أستاذاً جامعياً، حين جاء وقت إعلان نتائج طلبة السنة الجامعية الأخيرة، أعلن أن فلاناً وعلاناً حصلوا على درجة A. وجه لهؤلاء المميزين الحاصلين على الدرجة العليا، التحية لانضمامهم لنادي أساتذة الجامعات. عندما أعلن أسماء الطلبة الحاصلين على درجة C، قال لهم: أنصحكم أن تبحثوا عن أعمال مهنية، فهذا هو المجال الأنسب لكم. أما الطلبة الذين حصلوا على درجة B، فقال لهم: أنتم الذين تقودون المجتمعات، وتديرون المؤسسات والشركات، ومراكز اتخاذ القرار.

يورد مؤلف كتاب: «مميز بالأصفر»، قصة، يرويها عن نفسه، قائلاً: «لقد تمكنت من فهم أثره بشكل كامل خلال بضع دقائق قصيرة، فحسب، بينما كنت أخضع لواحد من أكثر الامتحانات أهمية في حياتي. كان الامتحان شفهياً. وكان الممتحن، مذيعاً في الراديو، وقاعة الامتحان سيارتي. وأنا على الطريق لمسافة طويلة صباح يوم اثنين ممطر، انبعث صوت من سماعة صغيرة بجوار عجلة القيادة، يسأل: «ما اسم آخر فائز بجائزة نوبل للسلام؟». كنت أعلم أنه ينبغي أن أتذكر اسم هذا الفائز، لكنه راح من ذهني. وبينما كنت أحاول التذكر، كانت هناك أسئلة أخرى: «ما اسم أحد الفائزين بجائزة بوليتزر؟». ومرة أخرى، لم أستطع معرفة الإجابة عن السؤال. «هل تعرف اسم أحد الرياضيين الذين فازوا بميدالية ذهبية في الأولمبياد الأخيرة؟ أو آخر فتاة توجت ملكة جمال أميركا؟».

أو... أو... أو. لا... لا... لا. لقد كنتُ أستحق صفراً في الموسيقى، والآداب، والفنون، والسياسة، والعلوم، وكنتُ أتساءل: ترى كم عدد المستمعين الآخرين، الذين كانوا يعرفون الإجابات؟!
وأخيراً، طرح سؤال استطعت معرفة إجابته: «ما اسم آخر شخص قال لك إنه يحبك؟». رقّ قلبي عندما تذكرت بوضوح، وبلا أدنى تردد، أطفالي، وهم ينطلقون نحو حافلة المدرسة، في ذلك الصباح، ويهتفون، في وقت واحد: «نحبك!».

الحقيقة أننا لا نعرف الذين قدموا لنا الحب الأكبر، متمثلاً بهذه الاختراعات، لكن حبنا لأطفالنا، بما يجعلهم ينشأون بشكل سوي، يقدم لنا شيئاً من عزاء.
لا يحتاج 99.9 في المائة من الناس، أن يكونوا مخترعين، ولا أن يعرفوا إجابات الأسئلة السابقة، بقدر ما يحتاجون، أن يبنوا أُسراً متوازنة، تعم المحبة أفرادها، ويقومون بأعمالهم الموكلة إليهم، فلا ينقصوا، ما هو مطلوب منهم. إنهم بذلك، يحققون ما يوازي عظمة المخترعات، فهم يصنعون مجتمعات متوازنة، قوامها أناس صالحون، وإن لم يكونوا مخترعين بارزين، أو حافظين عن ظهر قلب، الموسوعة البريطانية!

 

arabstoday

GMT 00:23 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل و«حزب الله».. سيناريو ما بعد التوغل

GMT 00:28 2024 الخميس ,13 حزيران / يونيو

مكاشفات غزة بين معسكرين

GMT 00:37 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

التطبيع بعد القمة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحب والاختراع الحب والاختراع



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة

GMT 17:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

حرب غزة ومواجهة ايران محطات حاسمة في مستقبل نتنياهو

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab