بقلم: سمير عطا الله
اللبنانيون، كما يقال لدى البعض، هم أحفاد الفينيقيين. والفينيقيون هم أجداد التجارة في العالم. ومن أجلها ركبوا البحار واخترعوا المراكب ووصلوا – حسب الرواية – إلى البرازيل. وفي كتاب تاريخي موثوق أن بريطانيا قامت تقليداً لمدينة صور القديمة، وأن الفينيقيين هم الذين أطلقوا عليها اسمها، ويعني «بيت التنَك»، إذ كانوا يستوردونه منها ويحملون إليها صباغ الأرجوان. وقد طغت السمعة التجارية على شعب هذا البلد، حتى قيل إنهم كسروا قواعد الحساب. فإذا سألت لبنانياً ما هو جمع 3 تفاحات و4؟ كان جوابه: «هل أنا مشترٍ أم بائع؟».
تمّ تكليف رئيس الوزراء الجديد الدكتور حسّان دياب برئاسة المنصب السنّي في الدولة، رغم أنه لم يحظَ إلا بـ5 أصوات سنّية، أصحابها ليسوا محسوبين على الطائفة سياسياً. وكان الرئيس سعد الحريري قد عزف عن الترشّح لأنه لم يرتضِ الفوز بأقلّية مسيحية، بعدما خذله حزب القوات اللبنانية وخرج من التحالف معه. فإذا الحريري يخسر شركاءه في الحكم وشركاءه في الحلم. يُستحسن التكرار هنا أن طيبة الحريري غلبت عليه في بلد يمارس صراع الديوك على الطريقة المكسيكية، أي بغضب لا مثيل له وأنانية لا مثيل لها وخيانات أكثر من تلك التي عدّدها الروائي الأميركي فيليب روث نقلاً عن الخيانات الواردة في التوراة.
كتب الساحر الإيطالي لويجي بارزيني أن الإنجليزي لا يركل خصمه إذا وقع على الأرض، أما الإيطالي فيقول: «إذا لم أركله وهو على الأرض، فكيف أستطيع أن أتمكّن منه؟». ونحن في لبنان أقرب جغرافيّاً وحضاريّاً ومتوسّطيّاً وألحاناً شجية، إلى الإيطاليين منّا إلى الإنجليز. عشنا، وعاش معنا العالم العربي وبعض العالم الخارجي، الأسابيع الماضية ونحن نبحث عن رجل يثق به الثوّار ويلطف به السياسيون، وبالتالي يستطيع أن يشكّل حكومة تمدّ اليد إلى البلد الغريق. أمّا السياسيون فكانوا يبحثون عن صفقة أخرى قبل أن يعلن لبنان إفلاسه.
مشكلة الرئيس المكلّف متناقضة. فهو مؤهّل لكونه بعيداً عن السياسة، وهو غير مؤهّل لكونه بعيداً جداً عن السياسة والحقل العام. وبسبب عشق اللبناني للمقارنات، فقد شبّهه البعض بالدكتور سليم الحص، الذي جيء به أيضاً أستاذاً للاقتصاد من الجامعة الأميركية ولم يكن معروفاً في الأوساط السياسية. لكن الظروف التي نحن فيها لا تجيز اللعب بأوجه الشبه. فقد جاء سليم الحص حلّاً مواتياً مقبولاً من جميع الفئات، بينما يأتي الدكتور دياب وكأنه امتداد لمشكلة متفاقمة على كل صعيد مرئي وغير مرئي.
التكهّنات كثيرة، حول كل المصائر؛ مصير التكليف المُجتزأ، ومصير التشكيل الحكومي المشكوك، ومصير الاقتصاد المهترئ، ومصير الحالة المصرفية التي هي أغلى ما يملك لبنان. ومن دون أي مبالغة، مصير هذا البلد الجميل أيضاً.