بقلم : سليمان جودة
من الواضح لمن يتابع تفاصيل ما يجرى فى سوريا أن الأصابع الإيرانية تلعب هناك، وليست المظاهرة التى خرجت فى حمص سوى دليل واحد على ذلك.
والغالب أن إيران لن تسلم بخسارتها فى سوريا بسهولة، فما خسرته لم تخسر مثله منذ أن عاد الخمينى إلى طهران فى فبراير ١٩٧٩. لقد وجدت نفسها فجأة مجردة من كل نفوذ فى دمشق بعد أن كانت تمثل النفوذ الأجنبى رقم واحد تقريبًا فى أيام الأسد، وهى لم تفقد نفوذها كله فقط، ولكن عناصر سفارتها فى العاصمة السورية صاروا مهددين، وبلغ التهديد إلى حد قتل أحد عناصر السفارة بإطلاق النار عليه من مجهولين.
وعندما خرج أسعد حسن الشيبانى، وزير الخارجية السورى، محذرًا حكومة المرشد الإيرانى على خامنئى من التدخل فى الشأن السورى، فإن الوزير الشيبانى كان يشم فيما يبدو رائحة ايرانية فى بلاده لا تبعث على الطمأنينة.
وكانت المظاهرة التى خرجت فى حمص قد أدت إلى مقتل مواطن وإصابة خمسة، وكان الذين شاركوا فى المظاهرة قد خرجوا بعد انتشار ڤيديو يصور اعتداءً على مقام علوى فى حلب، وقد تبين لاحقًا أنه ڤيديو قديم وأنه يعود إلى سنوات مضت، والذين أعادوا نشره فى هذا التوقيت بالذات لا بد أنهم قصدوا ذلك، ولا بد أنهم كانوا يريدون به إحداث نوع من الشوشرة فى البلاد.. وهذا ما حدث بالضبط عندما خرجت المظاهرة، وعندما سقط المواطن القتيل والخمسة المصابون.
وليس بعيدًا عن هذا كله ما كان المرشد الإيرانى قد صرح به قبل أيام، فقال إن المواطنين الشرفاء فى سوريا سوف يقفون ضد ما يجرى ويحدث. لم يذكر المرشد مَنْ بالضبط يقصد بالمواطنين الشرفاء، ولا قال شيئًا عما سيفعلونه، ولكن ما جرى فى حمص ربما يبين شيئًا مما كان يقصده ولم يذكره.
وليس بعيدًا عن هذا كله أيضًا، ما كان أحمد الشرع قد قاله من داخل الجامع الأموى، عندما ذهب إليه بعد دخوله دمشق على رأس هيئة تحرير الشام، وبعد سقوط الأسد بساعات يوم ٨ ديسمبر.. قال يومها إن من بين خطايا نظام الأسد أنه جعل البلد مزرعة للأطماع الإيرانية.
إيران عاشت سنين تستثمر سياسيًا فى دمشق، وعندما سقط استثمارها فى غمضة عين فإنها تبدو كمَنْ لا يصدق.. ولأنها كذلك، فمن الطبيعى أن تقف للسلطة الجديدة بالمرصاد، وأن تتربص بسوريا التى كانت فى يدها ثم فقدتها فى لحظة.