بقلم - عبد المنعم سعيد
علمونا فى التحليل السياسى أن نبتعد عن الضجيج فى القول الذى يشبه البهارات التى تخفى رداءة الطعام، وألا نكتفى بمنطوق القول ونبحث عن «المسكوت» عنه، ذلك المختفى الذى عند العلم به يتغير معمار الكلام وسلامة منطقه. ولا يوجد مثل الأزمات الكبرى التى يشتد فيها الصدام ولا يعلم أحد متى تنتهى وأين ستتوقف، ويشتد فيها الضجيج ويكثر المسكوت عنه. وبحكم المهنة، فإن بمتابعة الأخبار والمقالات والمعلومات والتحليلات فى الصحافة العالمية والإعلام الكونى فيما يتعلق بحرب غزة الخامسة لن نجد فيها إلا الكثير من ضجيج المظلومية، واليقين الخاص بالمجد والانتصار. أما المسكوت عنه فيبدأ على الجانب الإسرائيلى ومسانديه فى الغرب بأن تاريخ الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين بدأ فقط فى 7 أكتوبر ساعة الهجوم على غلاف غزة، ولم يكن هناك شىء سابق، وما أتى لاحقا لم يكن إلا رد فعل وليس لأحد آخر أن يأتى منه ذكر وإلا كان مبررا لذبح الشعب اليهودى. الغريب فى الأمر أن من يعود إلى عدد الضحايا المذكور على مدى الأسبوع الأول، ومع بدايات القصف الإسرائيلى لغزة، يجد أن عدد الضحايا الإسرائيليين بلغ 1400، ولكن بعد ذلك ساد الرقم 1200، وبات فارق المائتين مسكوتا عنه، ولم أجد لا فى مقال ولا فى دراسة تعريفا لما جرى لهؤلاء المفقودين.
الغريب فى الأمر أكثر أن أحدا لا فى إسرائيل ولا فى الولايات المتحدة كان متحمسا لتشكيل لجنة تحقيق دولية فيما حدث، وما يحدث الآن من جرائم فى غزة شمالا وجنوبا، لأن التاريخ الآن يمر أمام الأعين، ولا يحتاج إلى سنوات لإيضاح الحقيقة. الإدانة الأخلاقية والقانونية جرت فى مؤتمر «السلام» المنعقد فى مصر ومؤتمر القمة العربى الإسلامى الذى انعقد فى الرياض وهى الإدانة الكاملة لكل أذى حدث ويحدث للمدنيين على الجانبين الإسرائيلى والفلسطينى. وبالمناسبة لماذا صار مسكوتا عنه بشدة فى إسرائيل ما تقوم به ومستوطنوها فى الضفة الغربية الفلسطينية؟.