بقلم - عبد المنعم سعيد
هناك مثل يقول إنه لا غذاء بالمجان، فلكل أمر تكلفة وثمن؛ ومع ذلك كان يدهشنى الحديث فى مصر عن مجانية التعليم, فقد كانت معظم دول العالم التى تتحمل ميزانية التعليم تسميه التعليم الحكومى أو تعليم الدولة. المجانى هذه تضلل كثيرا, لأن العملية التعليمية تتكون من مدرسة ومعلم وتلميذ، ولكل منهم فى الإنفاق نصيب وحظ. المدرسة فى بنائها وصيانتها ومرافقها وما فيها من معامل وملاعب؛ والمعلم له أجر مستقر ويمنحه النزاهة والكرامة، والتلميذ فى ملابسه وأدواته وغذائه. لا يوجد ما هو مجانى، ولكنه فى مصر نعت بذلك بينما تحملت الدولة أعباءه. هنا توجد حقيقتان: الأولى هى أنه كان فى مصر تعليم تتحمله الدولة قبل ثورة يوليو ١٩٥٢؛ والثانية هى أن تعليم الدولة موجود فى كل دول العالم تقريبا، تتحمل تكاليفه من الحضانة إلى نهاية التعليم الثانوى. بات التعليم جزءا من وجود الدولة, ففيه يكون الوعى بالهوية الوطنية، ومنه يخرج الذين يبنون الوطن ويدافعون عنه. ما حدث حتى عام ١٩٧٠ عندما تخرجت فى جامعة القاهرة، كانت الدولة قادرة على الإنفاق على التعليم الجامعى وما قبله أيضا.
الزيادة السكانية والحرب لتحرير الأراضى المحتلة جعلتا الاستمرار فى الإنفاق مستحيلا ما لم يجُرْ الكم على الكيف. زاد عدد الطلاب فى الفصل الدراسى الواحد، وتوقفت البعثات العلمية للخارج، وضعفت المعامل والمكتبات، ومع تراجع المستوى زادت الدروس الخصوصية ومعها السناتر؛ وكان المنتج فى النهاية هجرة المدرسين والضعف الشديد لمنتج العملية التعليمية. مع سوء الحال، وعدم القدرة على استيفاء متطلبات المدارس والجامعات، بدأت عملية الالتفاف على تعليم الدولة من خلال إيجاد ازدواجية تعليمية على أساس من اللغة فبات فى الكليات واحدة باللغة العربية، وأخرى بالإنجليزية، وثالثة بالفرنسية. تدهورت أحوال المدارس، والجامعات، وهاجر المدرسون والأساتذة إلى بلاد الله الواسعة. ما بقى كان لطم الخدود على حال التعليم، فإذا ما جاء مخلص زاد اللطم على ما تعودناه!.