بقلم - عبد المنعم سعيد
الهوية الوطنية هى مقدمة كتاب الأمة؛ ولكن الإقليم هو الذى يبدأ تشكيل الدولة. ومن المعلوم أنه بشكل أو بآخر فإن الإقليم المصرى الذى نعرفه الآن هو الذى قام من أقدم العصور.
جاء الغزاة وذهبوا أو طردوا والحدود المصرية تسجل استمرارية عجيبة فى تاريخ الدول، حافظت فيها الصحراء على احتضان النيل وأهله. ولكن الحداثة لها مقتضيات أخرى فى العصر الحديث الذى تتم فيه عملية اختراق إقليم الدولة؛ وفى مصر كان للأمور جذورها فى عصور قديمة عندما أخذ الفراعنة دينهم الأوزيرى إلى أعماق الصحراء فنجد معابدهم فى الصحراء الغربية والشرقية. يقال إن ذلك حدث لأنه كان هناك نيل آخر، ولكن الهدف السياسى يبقى واحدا، وهو أن الدولة لا تصير دولة إذا اخترق أمنيا واقتصاديا وسياسيا إقليمها. منذ قيام مصر الحديثة مع الوالى محمد على فإن عملية الاختراق هذه تمت من خلال الترع والطرق والمدقات والسكك الحديدية والمدن الجديدة بعد حفر قناة السويس. والآن فإن هذا الاختراق يجرى بطريقة غير مسبوقة من حيث الامتداد العمرانى من خلال ٧٠٠٠ كيلومتر من الطرق والكبارى، وأشكال مختلفة وحديثة من المواصلات والاتصالات مثل القطار السريع و المونوريل وذلك الترددى.
هذا الاختراق للإقليم المصرى غير مسبوق؛ ومن المدهش أن يكون ملخصه الساخر مشروع الطرق والكبارى حارماً مصر من خلاصها الحضارى والتنموى. فقه الأولويات الشائع من أصوله الإخوانية لا يعرف فداحة انتصار الجغرافيا على الديمغرافيا المصرية التى تظهر لنا من النموذج السودانى فى التنمية، حيث تعجز ثروات الوادى عن الوصول إلى سواحل الاتصال والتجارة مع العالم. توسيع المعمور المصرى بامتداد مصر من النهر إلى البحر هو علامة الجيل المصرى الحالى من المهندسين والعمال، قرابة ستة ملايين، ممن مدوا الطرق والكبارى وحفروا الأنفاق أسفل أكبر ممر مائى فى العالم. هو تحقيق أحلام كانت فى مديرية التحرير لدى عبد الناصر، والصالحية لدى السادات، وتوشكى لدى مبارك.