بقلم - عبد المنعم سعيد
فى ملفاتى القديمة يوجد الكثير من الأفكار النظرية ذات القيمة التحليلية والتى تفيد فى تقييم ما راح، وتقدير ما سوف يأتي. من هذه النظريات التمييز ما بين التاريخ والإستراتيجية التى ربما تسلط أضواء على ما أصابنا من إخفاقات. هنا فإن التاريخ هو عملية تطورية تتداخل فيها مئات، بل آلاف العناصر الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية والسياسية، التى تتفاعل مع بعضها البعض لكى تنتج بعد ذلك واقعا مختلفا عما كان. وقد اختلف المؤرخون وعلماء الاجتماع والمفكرون والفلاسفة حول أهمية العناصر وأكثرها فاعلية فى تحريك المجتمعات من نقطة إلى أخرى، ولكنهم جميعا اتفقوا على أن لا شيء يبقى على حاله، وإن التغيير والانتقال من نقطة إلى أخرى هو من سنن الكون حتى عندما توصف مجتمعات بالجمود. هى عملية طويلة المدى، قد يسرعها تطور تكنولوجي، أو ثورة عارمة تكون أشبه بعملية تسخين عناصر المادة حتى تتفاعل بسرعة أكبر وتتحول إلى وضع جديد. الإستراتيجية على الجانب الآخر هى عملية إنسانية محضة تتعلق بوسائط الانتقال ما بين الموارد والأهداف فى ساحة بعينها، وبدايتها تعريف وتحديد المصالح المراد وقايتها أو حمايتها ووضعها فى صورة نقاط بعينها يراد الوصول إليها فى فترة زمنية محددة، ومن ثم يمكن الحديث عن الإستراتيجية العسكرية أو الأخرى الاقتصادية وهكذا. ولذا فإن التاريخ يقيم حسب المرحلة أو الزمن الذى يصل إليه من تقدم أو تراجع، أما الإستراتيجية فإن تقييمها عنوانه النجاح أو الفشل.
ما كان لدينا كان مفارقة بين المفهومين، وبينما كانت الإستراتيجية واضحة أحيانا بأهدافها ووسائلها، فإن التاريخ يبدو غامضا، وفى أحيان يمكن أن يفهم بطريقة ماضوية يكون فيها دائما الماضى أفضل حالا وأكثر سعادة. وعندما يحدث ذلك فإن الأمم تدور حول نفسها، وتنقل ما بين حلقات الفقر والهزيمة الجهنمية. هنا فإن الهزيمة والإخفاق يتمكن من الإستراتيجيات المقترحة لأنها لا تدرك أنه لا يمكن إعادة إنتاج الماضى مرة أخرى.