بقلم - عبد المنعم سعيد
حصل هنرى كيسنجر على جائزة نوبل لدوره فى إنهاء الحرب الفيتنامية. وفى تعليقه قال إنه كان يتمنى أن يحصل عليها لجهوده فى الشرق الأوسط التى تفوق فيها على نفسه. وفى الحالتين تعرض لانتقادات عنيفة من الليبراليين الأمريكيين والعرب لما تسبب فيه من امتداد حرب فيتنام إلى لاوس وكمبوديا وفى إطالة مدى الحرب. وفيما تعلق بالمسألة العربية ــ الإسرائيلية فقد كان هناك كثرة بين العرب، وقلة من اليهود، من اعتقدوا أن كيسنجر كان سببا فى استمرار الصراع مع تجاوز مزمن للعدالة. فى الحالتين تجاهل أصحاب القضية فى الهند الصينية أنه بعد أن غادر الأمريكيون فيتنام فإن أكبر مذبحة فى التاريخ جرت فى كمبوديا، أما فى الشرق الأوسط فإن الحروب جرت بين دول، وفى داخلها، بوسائل بشعة وصلت إلى استخدام الأسلحة الكيماوية. ما كان يشغل كيسنجر دائما فى دراساته المتنوعة هو علاقة السلاح بالسياسة، ودرجة النضج فى النخبة السياسية من زاوية رجال الدولة وقدرتهم على اتخاذ القرار.
كان ما يشغل كيسنجر فى إدارة "أزمة أكتوبر ١٩٧٣" هو كيف تنتهى الحرب وقد شعر كل طرف بأنه حقق أمرا ما، وفى الوقت نفسه لا تنتهى الحرب بمواجهة نووية أمريكية ــ سوفيتية. بهذا المعنى وهو يتوقع فوزا إسرائيليا على العرب فإنه لم يبدأ مدها بالسلاح، وكان ذخيرة وصواريخ مضادة للدبابات، إلا فى يوم ٩ أكتوبر، وفى طائرات مدنية نزعت عنها علاماتها. لم يبدأ الجسر الجوى حقا إلا فى يوم ١٣ أكتوبر، بعد أن نوهت مائير بإمكانية استخدام الأسلحة النووية. وعندما أعطى السوفيت إشارات بالتدخل العسكرى مع احتمال أن يكون نوويا، فإنه لم يتردد فى إعلان حالة الاستعداد القصوى بما فيها السلاح النووي. بعد أن سكتت المدافع كان كيسنجر فى طريقه إلى القاهرة ليبدأ منها عملية فصل القوات. كان طريق السلام بعد ذلك طويلا ولكنه محقق.