بقلم - عبد المنعم سعيد
الخلود هو صفة من صفات رب العباد؛ وهو أحد علامات الاستمرار الطويل لآثار إنسانية. ولكنه أيضا حلم الإنسان الذى ظل يبحث عن الإكسير الذى يكفل طول العمر. بعض الأفلام حاولت تخيل البقاء فيكون الإنسان واقعا فى زمن آخر؛ وفى العادة كان الأمر ومن وقع عليه الحظ يخرج من الحياة بوسائل أخري. فلاسفة التاريخ المؤمنون بمذهب داروين يرون أن الإنسان يطول عمره مع الزمن بفعل التقدم فى التغذية والدواء ومقاومة تغول الطبيعة؛ وأحدهم تنبأ بأنه مع منتصف القرن الحالى فإن العمر سوف يبلغ ١٣٠ سنة، أما فى نهاية القرن ستصبح ٥٠٠ عام. الملاحظة المباشرة تقول بالزيادة المطردة، وقبل عقود كان بلوغ السبعين من أرذل العمر ثم أصبح ذلك أكثر ذيوعا عندما يكون البلوغ إلى ٨٠، وكذلك جرى فى التسعين. وفى الوقت الراهن فإن من تعدوا المائة عام من العمر زاد عددهم أكثر من أى وقت مضي.
الآن فإن التفكير فى الخلود لم يعد فقط مسألة تطورية وإنما باتت تصنيعية تتم فى مجال الذكاء الاصطناعي. فى ٢٠١٦ كتب الصحفى جيمس فالهوس الذى أصيب والده بداء السرطان فى الرئة عن استخدام هذه التكنولوجيا لتخليد والده ليس من حيث تجسيد شكله ووجوده، وإنما الحصول على ردود فعله فى مواقف جديدة. التجسيد من حيث الشكل لم يعد صعبا، فقد عرفنا أنه من الممكن الحصول على الهولوجرام لكى نشاهد أم كلثوم ونسمع منها سيرة الحب، ولكن الاستماع إلى رأيها فى غناء اليوم أمر آخر. ما فعله فالهوس هو أنه استخدم الوقت المتبقى من عمر والده فى الحديث معه عن تاريخه وعمله وعلاقاته، باختصار أنه أراد استيعاب التجربة. توفى الرجل بعد ذلك إلى رحمة الله، ولكن ابنه استخدم المحاولة فى تخليق ما سماه دادبوت أو Dadbot التى يمكن الحوار معها واستخلاص بعض من تجربته. الفكرة تحولت إلى شركة، وهناك من رفضوها لما تحققه من آلام البعاد.