بقلم - عبد المنعم سعيد
كنت محظوظًا بحضور احتفالية يوم المرأة المصرية والأم المثالية لعام ٢٠٢٣. بدأ اليوم الاثنين الماضى مبكرًا فى السابعة والنصف صباحًا، بعد رحلة ممتعة من غرب القاهرة إلى شرقها، عبر براح طرق فسيحة تكفى للتأمل فى الكيفية التى يخرج بها الجمال وسط القبح، والتقدم من قلب التخلف. كلاهما- الجمال والتقدم- هما أصل المهمة المصرية لأكثر من قرنين وربع القرن. ولم يكن الطريق مستقيمًا، ولا كان السبيل مواتيًا.
جرَت الحلقات على أى الأحوال الواحدة بعد الأخرى، ولم تُسلم واحدة منها للتراجع أو النكسة، ولكنها كانت تقوم مرة أخرى ويشتد حيلها. جاء الجلوس هذه المرة دون إرهاق بشأن ما إذا كان علىَّ التواجد ما بين الجماعة الإعلامية أو أعضاء مجلس الشيوخ أو فقط تحت العنوان الكبير للشخصيات العامة، فقد جلست فى مكان اختلط فيه الثلاثة، بعد أن أخذت اللافتات تتأرجح بين خطوة وأخرى.
ورغم أن جارى الجليل كان من سلك القضاء، فإن الساحة كلها كانت ممن جئنا لنحتفل بيومهن، والحاضرات على الأغلب من فئة العاملات فى وظائف متعددة، والتى عندها تظهر الجدية والأناقة التى يخرج منها نسمات عطر. مضى اليوم ما بين البيانات الضافية للقيادات- د. هالة السعيد، د. نيفين القباج، د. مايا مرسى- فى ثلاثة وجوه للاهتمام بالمرأة من اقتصاداتها إلى أحوالها الاجتماعية إلى واقعها فى العملية السياسية من خلال المجلس القومى للمرأة؛ وأنواع مختلفة من الموسيقى والغناء والاحتفال والتكريم، حتى وصلنا إلى كلمة الرئيس السيسى الباسمة والرقيقة حتى نصل إلى ما هو واجب فى المستقبل من مزيد المشاركة للمرأة فى قيادة الدولة والمجتمع.
لا يمكن لمَن يمتهن التفكير والكتابة إلا أن تنصب على ذهنه تلك الرحلة الطويلة، التى خاضتها المرأة فى المجتمع المصرى حتى وصلت إلى النقطة التى وصلت إليها الآن. من الواضح أن الوالى محمد على لم يضعها فى حسابه، فلم ترد امرأة بين مَن أرسلهم إلى الخارج لكى يعودوا لقيادة تحديث مصر. ومضت عقود حتى بدأت مسيرة تعليم الفتيات فى عهد الخديو إسماعيل تدخل إلى القاموس المصرى؛ كما مضت عقود أخرى حتى ظهرت المرأة المتعلمة فى المظاهرات التى جرت فى ثورة ١٩١٩، التى للأسف لم يتم تسجيلها أو تخيلها إلا فى أفلام الستينيات التى عرض منها أثناء الاحتفال.
بات دخول الجامعة فرضًا ذائعًا فى الطبقة الوسطى المصرية، مما أصبح دلالة على درجة من التقدم تشمل التغيير الاجتماعى، الذى سمح بوجود هذه الطبقة وعلو كعبها، ومعها أصبح للنساء نصيب فى البعثات. ثورة يوليو ١٩٥٢ أخذت الحداثة فى زاويتها للمشاركة الشاملة للنساء عندما سمح لهن الدستور بالترشيح والانتخاب وعضوية «مجلس الأمة»، ثم بعد ذلك مع الستينيات جاءت أولى الوزيرات د. حكمت أبوزيد. كنت صبيًّا وقتها، ولكن الوالد كان سعيدًا لأنه كان مدركًا أن بناته سوف يكون لهن فى الرفعة نصيب، وهو ما حدث.
الآن مضى على كل ذلك نصف القرن، خرجت فيه المرأة إلى العمل، وارتفعت مناصبها بين مرحلة وأخرى، وبات مسجلًا أن السنوات القليلة الماضية كانت مزدهرة فى طَرْق أبواب لم يسبق طَرْقها من قِبَل المرأة المصرية. وربما كان أعظم ما تحقق أن التساؤل عما إذا كانت المرأة تستطيع أو لا غير مطروح، فهى تستطيع فعل كل شىء، وعندما تقود فإنها على الأغلب ناجحة. ولكن ما ظل غائبًا هو أن القضايا التى جرت مراوغتها طوال العقود الماضية ظلت على حالها، وعندما جاءت سيرة «قانون الأحوال الشخصية» سرى فى القاعة توتر عبرت عنه تعبيرات مختلفة عن «التوازن» الضرورى.
وهو ما لا يحدث إلا عندما تكون هناك خشية أو مخافة خروج عن المألوف، الذى هو ليس فى كل الأحوال يبعث على السعادة. القاعدة العامة واجبة التطبيق هى أولًا الدستور وما ورد فيه صراحة حول المساواة؛ وثانيًا ما جاء فى رؤية ٢٠٣٠ ونظرتها إلى المرأة كإنسان مسؤول فى المجتمع؛ وثالثًا أن النصوص تكتسب قيمتها من التطبيق، الذى لا يظهر فى حالتنا هذه إلا بالمشاركة الكاملة للمرأة فى بناء المرحلة الراهنة من التقدم، ومن ثَمَّ فإن قيادة المحليات والمحافظات والشركات العامة وعضوية المجالس التشريعية ليست كافية، فعلينا تجنيد المرأة لخدمة المجتمع فى أمور مثل محو الأمية مع الرجال، الذين لسبب أو آخر لم يُقدر لهم القيام بالخدمة العسكرية. مناوشات السلفيين والإخوان والتقاليد المتخلفة لا ينبغى لها أن تشغلنا عن مشاركة المرأة الكاملة فى بناء دولة فتية وجميلة ومتقدمة.