«أوبنهايمر» والإبادة الجماعية

«أوبنهايمر» والإبادة الجماعية

«أوبنهايمر» والإبادة الجماعية

 العرب اليوم -

«أوبنهايمر» والإبادة الجماعية

بقلم: عبد المنعم سعيد

يمر العالم هذه الأيام بنوبة كبيرة من التشاؤم حول مستقبل البشرية. هناك مجموعة من المقالات في الدوريات العلمية تتحدث بإصرار عن الاقتراب من «موجة سادسة» للإبادة الجماعية ليس فقط للمخلوقات بصفة عامة، وإنما أيضًا للإنسان.

لا أدرى ما إذا كان ذلك راجعًا إلى نوبات ارتفاع حرارة الكوكب إلى درجة غير مسبوقة، والأشكال المصاحبة لها من دخول البراكين في نوبات ثائرة، وتدفق الفيضانات في مناطق والجفاف في مناطق أخرى. مجمع كل ذلك حرائق فائرة في الغابات الساكنة، ومثيلاتها عندما يجتمع الازدحام الشديد مع شرارة هنا أو هناك.

نوبات الإبادة السابقة كانت كلها في حدود ما نعلم من صنع الطبيعة، بينما تراوحت ما بين البرودة الشديدة والحرارة الأكثر شدة، وعندما نجمت عن هذا وذاك نهاية قدرة الإنسان على توليد الغذاء وصلت حضارات كاملة إلى طريق مسدود. قيل إن هناك ملايين من المخلوقات المتنوعة، فيها الكبير بأنواع الديناصورات المختلفة، ومنها الدقيق بأشكال مختلفة من الحشرات، جرَت إبادته. الإبادة المتوقعة حاليًا جاءت بتأثيرات من الإنسان وثورته الصناعية وسلوكياته غير الحضارية، التي جعلت الكثير من المخلوقات في حالة تراجع كمى ونوعى؛ وهى الآن تصل إلى الإنسان ذاته بما سببته من «احتباس حرارى» يؤثر في الكوكب.

غاب التوازن الطبيعى منذ دخل القطبان الشمالى والجنوبى إلى حالة الذوبان، وما نجم عنهما من ارتفاع في درجات الحرارة والمياه في البحار والمحيطات. عمّت الفوضى بين المخلوقات البحرية، التي اعتادت العيش في مناطق بعينها، فإذا بها تنقلب درجات حرارتها، فتجبر هذه على الهروب إلى بيئات لم تعتدها، فتزيد عدوانيتها، وتختلّ سبل تكاثرها وتناسلها.

الغريب أن مثل هذا التشاؤم حول حالة الطبيعة والإنسان يأتى في الوقت الذي تجاوز فيه الجنس البشرى ثمانية مليارات نسمة، وهو ما يعكس تقدمًا لم تعرفه الأرض من قبل، خاصة أن هؤلاء مسلحون بقدرات فائقة لاكتشاف الفيروسات والأوبئة. ومع الثورة الصناعية الرابعة المسلحة بالذكاء الاصطناعى فإن القدرات الإنسانية سوف تتضاعف خلال العقود المقبلة. المدهش أن ذلك تحديدًا هو ما يُخيف ويبعث على تشاؤم أكثر عندما تضاعف هذه الثورة القدرات التدميرية للإنسان كذلك. وليس معلومًا ما إذا كانت المصادفة هي التي دفعت بفيلم «أوبنهايمر» إلى الشاشات العالمية، ربما ليُذكر بتلك التجربة التي قام فيها إنسان بالإبادة الجماعية لإنسان آخر لكى يُقصر من عمر حرب دائرة. القصة بدأت قبل نشوب الحرب العالمية الثانية حينما طلب «ألبرت أينشتاين» من الرئيس «فرانكلين روزفلت» أن يشكل لجنة قومية من العلماء للبحث في الاستخدامات التدميرية للطاقة النووية. وهكذا باتت الولايات المتحدة جاهزة في عام ١٩٤١ لكى تسير في السباق مع ألمانيا النازية من أجل الوصول إلى السلاح النووى. ومن هذه النقطة بدأ «مشروع مانهاتن»، الذي أخذ به «جى. روبرت أوبنهايمر» اليهودى من أصول ألمانية، والذى تهاجر أسرته إلى الولايات المتحدة، ويتعلم فيها لكى ينتج أول قنبلة نووية عرفها الإنسان. وفى السادس والتاسع من أغسطس عام ١٩٤٥ جرى إلقاؤها على هيروشيما وناجازاكى على التوالى، وبلغ عدد الضحايا في الأولى ١٤٠ ألفًا، وفى الثانية ٨٠ ألفًا، وكانت هذه هي الأرقام الأولى بعد القصف، أما النتيجة النهائية فقد استمرت عقودًا أُضيفت فيها عشرات الألوف ممن تعرضوا للإشعاع ونتائج الحريق. لاحظ هنا أنه عند إلقاء هذه القنابل لم يكن لدى أمريكا إلا قنبلتان فقط، ظن اليابانيون معها أن هناك المزيد، فقرروا الاستسلام؛ وأن الأمريكيين اختاروا مدينتين صغيرتين لكى تكونا ميدانًا للتجربة، ولو جرى الإلقاء على طوكيو العاصمة لكانت النتيجة أسوأ من ذلك بكثير، ولكن عصر القدرة على الإبادة الجماعية للجنس البشرى بدأ على أي حال.

«أوبنهايمر»- الذي دخل على الرئيس ترومان قائلًا إن على يده دماء قتلى السلاح الذي أخرجه إلى الوجود؛ وفى أماكن أخرى قال إنه بعد استخدام القنبلة النووية قد صار «ملاك الموت»- صار من الداعين إلى ضرورة «الحد من التسلح»، واعترض على إنتاج الأسلحة «الهيدروجينية» الأكثر تدميرًا. ولكن عندما نجح الاتحاد السوفيتى في إجراء أول اختبار للسلاح النووى عام ١٩٤٩، بدأ السباق في العالم ولم ينتهِ حتى اليوم، وما نعرفه هو أن القنبلة الأولى باتت موصوفة بأنها قنابل الطفولة. «أوبنهايمر» نفسه بات عليه الدخول في معركة قاسية مع القوى اليمينية الأمريكية، التي تحت راية «المكارثية» طالت الرجل، متهمة إياه بتسريب أسرار القنبلة إلى السوفييت، وفى عام ١٩٥٤ تعرض لتحقيقات مُهينة. ولكن بغض النظر عما جرى للرجل، فإن البحث عن السلاح النووى استمر بين دول العالم، وبعد أن كانت هناك خمس دول نووية معترف بها بالقوى دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولى، وهى الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى (روسيا الآن) وبريطانيا وفرنسا والصين، فإن الهند وباكستان وإسرائيل انضمت إلى هذا النادى سرًّا وعلنًا. أصبحت معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية مكتوفة الأيدى أمام عدد من الدول «القادرة نوويًّا» على إنتاج السلاح، الذي بات على مرمى حجر من القرار السياسى، تصير بعده الدولة «نووية».

خلال العقد الحالى، بات الجنس البشرى مهددًا بالإبادة الجماعية كما جرى لمخلوقات من قبل. الأوبئة التي شاهد فيها الإنسان موت أكثر من ٦ ملايين نسمة من وباء «الكورونا»، أما المصابون فقد تعدوا عشرات الملايين، والآن فإن «الاحتباس الحرارى» يبدو ضاغطًا دون قدرة إنسانية للدفع به إلى الخلف؛ ولأول مرة، منذ أزمة الصواريخ الكوبية في مطلع عقد الستينيات من القرن الماضى، يبدأ العالم مواجهة تهديدات مباشرة باستخدام السلاح النووى تكتيكية كانت أو استراتيجية في الحرب الروسية الأوكرانية، فضلًا عن التهديد الماثل من تعرض المفاعلات النووية في أوكرانيا لأخطار بالغة. ظهور فيلم «أوبنهايمر» في هذا التوقيت، بعد أن سبقه فيلم عام ١٩٨٦، لا يبدو مصادفة، وإنما تذكرة للإنسانية بالأخطار البالغة للإبادة الجماعية التي تتعرض لها.

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«أوبنهايمر» والإبادة الجماعية «أوبنهايمر» والإبادة الجماعية



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 13:15 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يؤكد العمل على وقف حرب غزة وإقصاء حماس عن السلطة
 العرب اليوم - بايدن يؤكد العمل على وقف حرب غزة وإقصاء حماس عن السلطة

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية
 العرب اليوم - التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 12:55 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح
 العرب اليوم - دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 07:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"

GMT 06:54 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 07:10 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

تحذير أممي من تفشي العنف الجنسي الممنهج ضد النساء في السودان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab