لم أتعود نشر رسائل القراء إلا في حالة نادرة عندما يكون ذلك واقعًا في صميم المصالح العامة لمصر؛ وفى هذه الحالة فإن قناة السويس هي في صميم هذه المصالح متعددة الأبعاد. وتعليقًا على مقالى السابق «مسألة قناة السويس»، جاءتنى من الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، الرسالة التالية:
في البداية أود التعبير عن خالص امتنانى لدوركم الوطنى وحرصكم على مناقشة القضايا المهمة، وإيضاح الحقائق للرأى العام بصورة مباشرة ومبسطة دون تحيز أو تزييف. وفى ضوء المقال الصحفى المنشور ضمن صفحة الرأى تحت عنوان (مسألة قناة السويس) بجريدة المصرى اليوم بتاريخ 26- 9- 2023؛ أود التأكيد على مجموعة من النقاط التي وردت بالمقال، وتوضيح بعض الحقائق المهمة المتعلقة بتنافسية القناة، وهى المسألة التي يتم تسليط الأضواء عليها من حين لآخر، مع الإعلان عن أي مشروعات جديدة لخدمة حركة التجارة بين بعض الدول، وما يصاحبها من الأصوات الغوغائية، التي تريد النَّيْل من الأهمية الاستراتيجية لقناة السويس، دون دراسة دقيقة أو معرفة متخصصة بصناعة النقل البحرى.
وفى هذا الصدد، نود التأكيد على أن كافة المشروعات المطروحة، سواء القابلة للتنفيذ على أرض الواقع في المستقبل القريب أو التي مازالت مجرد فكرة في مهدها، تخضع للدراسة المستفيضة من قِبَل خبراء الوحدة الاقتصادية التابعة لإدارة التخطيط والبحوث والدراسات بهيئة قناة السويس، حيث تتم دراسة وحساب تكاليف النقل عبر قناة السويس مقارنة بالطرق الأخرى، بالإضافة إلى حساب المدة الزمنية، ومعايير الأمان، وغيرها من المعايير المحددة للتنافسية.
ومن الهام بادئ ذى بدء توضيح الأسباب والأجواء التي تؤدى إلى نشأة الأطروحات المتعلقة بإنشاء وتطوير عدد من الطرق البرية والبحرية، التي تربط بين مجموعة من الدول التي تقع في قارة آسيا أو أوروبا أو كلتيهما معًا، ومنها ممر الشمال الجنوب، مشروع الفاو الكبير، ومشروع إسرائيل إيلات- أشدود وكذلك طريق القطب الشمالى، ومؤخرًا مشروع ممر للربط بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط، والذى تم إعلانه على هامش قمة مجموعة العشرين في نيودلهى بالهند، والذى يشتمل على مشروعات للسكك الحديدية وربط الموانئ البحرية لتعزيز التبادل التجارى وتسهيل مرور البضائع، من خلال ممرين منفصلين هما «الممر الشرقى»، الذي يربط الهند مع الخليج العربى و«الممر الشمالى» الذي يربط الخليج بأوروبا.
وفى هذا الإطار نوضح ما يلى:
تسهم قناة السويس بدور كبير في خدمة حركة التجارة العالمية ونمو الاقتصاد العالمى، حيث عبر قناة السويس خلال عام 2022 حوالى 1.3 مليار طن من البضائع تمثل حوالى 12% من إجمالى حركة التجارة العالمية المنقولة بحرًا وحوالى 50 مليون حاوية بنسبة تمثل حوالى 25% من إجمالى التجارة العالمية المحتواة.
الطريق عبر قناة السويس هو طريق التجارة الرئيسى بين هذه المناطق، حيث يستوعب ما يقرب من 100% من حركة تجارة الحاويات بين آسيا وأوروبا نظرًا لقدرته على استيعاب النمو في حركة التجارة العالمية وكذلك الأحجام الضخمة من السفن التي تصل سعة الواحدة منها إلى 24000 حاوية، بالإضافة إلى الوفر في الوقت والتكاليف، وكذلك مستويات الأمان المرتفعة التي تقدمها قناة السويس للسفن العابرة.
وأما بالنسبة للجزء الأول من الطرق المذكورة بالمقال، وهى الطرق البرية أو خطوط السكك الحديدية
(المشروع الإسرائيلى لربط ميناء إيلات وميناء أشدود والمشروع العراقى التركى والمشروع الإيرانى- الروسى)، فقدرتها على منافسة قناة السويس محدودة للغاية نتيجة انخفاض القدرة الاستيعابية للنقل بالسكك الحديدية بالمقارنة بالنقل البحرى، وأيضًا تكرار عدد مرات التداول عبر النقل متعدد الوسائط (يجمع بين النقل البحرى والبرى)، مما يؤدى إلى ارتفاع تكلفة النقل عبر هذه الطرق بما يزيد على التكلفة عبر قناة السويس بحوالى 5 أضعاف على الأقل.
وأما بالنسبة للنوع الآخر من الطرق المذكورة، وهو الطريق البحرى طريق القطب الشمالى، فإنه بالرغم من الوفر في المسافة الذي يوفره بين آسيا وأوروبا، فإن قدرته على منافسة قناة السويس محدودة حاليًا وكذا في المستقبل القريب، حيث إن معظم الشركات الملاحية تفضل استخدام طريق قناة السويس عن استخدام طريق القطب الشمالى لعدة أسباب أهمها:
■ تقتصر فترة الملاحة بالطريق على 5 أشهر في فصل الصيف نتيجة تراكم الثلوج معظم أيام السنة.
■ عدم استقرار الظروف المناخية، كما أن شدة البرودة تؤثر سلبًا على جودة بعض البضائع المنقولة.
■ ارتفاع رسوم كسارات الجليد المصاحبة للسفن العابرة لهذا الطريق.
■ معظم المناطق الساحلية على طول طريق القطب الشمالى غير مأهولة بالسكان، ولا توجد بها أي خدمات أو مساعدة ملاحية أو لوجستية في حالة تعرض السفن لأى طارئ، وهو ما يؤدى إلى زيادة تكاليف التأمين على السفن العاملة على هذا الطريق.
تعتمد استراتيجية هيئة قناة السويس على ثلاثة محاور رئيسية لدعم الموقف التنافسى لقناة السويس في مواجهة الطرق الأخرى كالآتى:
المحور الأول: التطوير المستمر:
■ التطوير المستمر للمجرى الملاحى لقناة السويس مثل مشروع إنشاء قناة السويس الجديدة وإعداد الأرصفة والمراسى وتطوير أسطول الهيئة من القاطرات ورفع كفاءة الأحواض والأوناش العائمة ومُعَدات الإنقاذ وكذلك تطوير ترسانات الهيئة ببورسعيد وبورتوفيق، وقد ساعد ذلك على استيعاب أكبر قدر من سفن الأسطول الحالى والمتوقع بناؤه مستقبلًا. بفضل مشروعات التطوير التي تم تنفيذها، حيث تستطيع قناة السويس حاليًا استيعاب 100% من الأسطول العالمى لسفن الحاويات وحوالى 92.3% من سفن الصب الجاف، وحوالى 61.2% من ناقلات البترول ومنتجاته.
■ وتنفذ هيئة قناة السويس في الوقت الحالى مشروع تطوير القطاع الجنوبى للقناة، الذي يستهدف تنفيذ ازدواج المسافة من الكيلو 122 إلى الكيلو 132 بطول 10 كيلومترات لتُضاف إلى قناة السويس الجديدة لتصبح 82 كيلومترًا بدلًا من 72 كيلومترًا، بالإضافة إلى توسيع وتعميق القطاع الجنوبى لقناة السويس بداية من الكيلو 132 حتى الكيلو 162، حيث يهدف هذا المشروع إلى زيادة الطاقة الاستيعابية بـ6 سفن يوميًّا، بالإضافة إلى زيادة معدلات الأمان الملاحى للسفن العابرة.
■ جارٍ حاليًا دراسة الازدواج الكامل لقناة السويس، مما يدعم الموقف التنافسى للقناة، ويجعل من الصعب على أي مشروع منافستها.
المحور الثانى: وهو المحور التنموى ويشمل:
تنفيذ مشروعات تنموية مستحدثة لمنطقة قناة السويس من شأنها إحداث طفرة اقتصادية وتنويع الخدمات اللوجستية المقدمة للسفن، وهو ما يعنى تحول قناة السويس من مجرد ممر عبور ملاحى إلى منطقة تنموية تضم مناطق لوجستية من خلال:
■ التعاون مع الشركات العالمية الكبرى في مشروعات تزويد السفن بالوقود ومشروعات الهيدروجين الأخضر وصناعات بناء وإصلاح السفن ومارينا اليخوت السياحية.
■ التعاون مع الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس في تطوير مناطق صناعية ولوجستية تربط العملاء بطريق قناة السويس، وتنويع الاستثمارات في المنطقة الاقتصادية وتحسين الخدمات الملاحية في الموانئ المصرية، خاصة ميناء شرق بورسعيد وموانئ خليج السويس، مما يسهم في جذب المزيد من الخطوط الملاحية.
المحور الثالث: السياسة التسويقية المرنة:
■ ويهدف إلى تعزيز الميزة التنافسية لخدمات العبور بالقناة (سعرًا وجودة)، ويشمل اتباع سياسات تسعيرية وتسويقية مرنة تستهدف جذب المزيد من السفن العابرة والترويج المستمر لمشروعات تطوير المجرى الملاحى وكذلك التواصل الفعال مع العملاء ودعم البنية التحتية الرقمية للهيئة.
■ كما تطبق هيئة قناة السويس سياسة التنسيق والتكامل مع خط أنابيب (السوميد) بهدف جذب ناقلات البترول، التي تعبر القناة فارغة أو بحمولة جزئية بعد تفريغ حمولتها في خط سوميد.
ونتيجة لهذه الاستراتيجية، حققت هيئة قناة السويس نتائج إيجابية تمثلت في:
■ زيادة أعداد السفن العابرة للقناة خلال عام 2022 إلى 23851 سفينة بنسبة زيادة 15.3%، ويُتوقع في عام 2023 أن تزيد أعداد السفن العابرة لقناة السويس لأكثر من 26000 سفينة بنسبة زيادة حوالى 10% مقارنة بعام 2022.
■ كما شهد عام 2022 أعلى إيراد سنوى في تاريخ هيئة قناة السويس ليسجل نحو 7.9 مليار دولار بنسبة زيادة بلغت نحو 25.3% مقارنة بعام 2021، ومن المتوقع في عام 2023 زيادة إيرادات قناة السويس بنسبة 28.5% مقارنة بعام 2022 لتتجاوز بذلك حاجز 10 مليارات دولار، لأول مرة في تاريخ القناة.