بقلم: عمرو الشوبكي
هى ليست الاحتجاجات الأولى التى تشهدها إيران، فقد عرفت احتجاجات واسعة فى 2009، اعتراضا على هزيمة مرشح الإصلاح حسين موسوى (رهن الإقامة الجبرية) فى مواجهة المرشح المحافظ أحمدى نجاد، سُميت بالثورة الخضراء، وسقط فيها عشرات القتلى.
وقد تكررت مشاهد مشابهة طوال هذا الأسبوع، حين اندلعت مظاهرات غاضبة فى إيران ضد البطالة وغلاء الأسعار، سرعان ما تحولت لاحتجاجات ضد النظام الحاكم والقوى الدينية المهيمنة على مفاصل الحكم فى البلاد.
يقينا الشعب الإيرانى من أكثر شعوب المنطقة حيوية وفاعلية على المستويين الاجتماعى والسياسى، وقام بثورة كبرى فى عام 1979 أسقط على أثرها واحدا من أعتى النظم الديكتاتورية فى المنطقة، وشيد نظاما دينيا محافظا وسلطويا، سمح بتداول السلطة بين أجنحة النظام المختلفة، بشرط التزامها بولاية الفقيه وسلطة المرشد العام للجمهورية الدينية والسياسية.
والحقيقة أن أزمة النظام السياسى الإيرانى منذ نشأته حتى هذه اللحظة، تكمن فى التناقض الموجود بين الصلاحيات الهائلة لمرشد الثورة المنتخب من بين رجال الدين، ورئيس الجمهورية المنتخب من الشعب، وما لم تحل هذه الإشكالية بعودة رجال الدين إلى لعب دور «الناصح للمجتمع»، وليس دور المرشد الآمر الناهى، فإيران ستشهد مزيدا من التأزم والاحتجاجات لقناعة الناس أن اختياراتهم لرئيس أو لبرلمان لا قيمة لها أمام صلاحيات المرشد.
والحقيقة أن ثنائية النظام السياسى الإيرانى شملت تقريبا كل المؤسسات، وليس فقط ثنائية رئيس الجمهورية والمرشد الأعلى، إنما أيضا وجدت طريقها بين مجلس الشورى الإسلامى «البرلمان»، فى مقابل مجلس صيانة الدستور، وفى القوات المسلحة هناك الجيش الإيرانى النظامى، وهناك قوات الحرس الثورى الإسلامى.
أما رأس السلطة الحقيقية فهو مرشد الجمهورية المرتبط بنظرية ولاية الفقيه التى وضعها الإمام الخمينى، فهو قائد الجيش، ويحق له تعيين وعزل 6 أعضاء من علماء الدين فى مجلس صيانة الدستور، ورئيس السلطة القضائية، ورئيس مؤسسة الإذاعة والتليفزيون، والقائد الأعلى للحرس الثورى الإسلامى وقوى الأمن، وهناك ممثلون للمرشد يعينهم فى كل وزارة أو مؤسسة حكومية مهمة، كما يشرف على المكاتب الثقافية للسفارات الإيرانية، ويتولى إيصال الدعم المالى للحركات الإسلامية «الصديقة»، متخطيا بذلك الرئيس ووزير الخارجية.
إن وجود رئيس يستمد شرعيته بالانتخاب، ومرشد للثورة يستمد شرعيته من مؤهلاته الدينية (ولكنة منتخب أيضا)، وامتلاك الثانى صلاحيات تفوق الأول- لا يعطى للرئيس فرصة للاستمرار فى إدارة شؤون البلاد، إلا بالتعاون أو الانصياع لقرارات المرشد الأعلى.
معضلة النظام الإيرانى أنه بدون انصياع الرئيس لتوجيهات المرشد الأعلى لا يمكن ضمان استقرار الجمهورية الإسلامية الإيرانية وتسيير شؤونها، ما أدى إلى إحباط قطاعات واسعة من الشعب الإيرانى شعرت أن اختيارها لرئيس إصلاحى لم يغير فى الأوضاع السياسية وفى معادلات الحكم الدينى، وبالتالى يصبح الحل فى نزولها للشارع واستثمارها لأى غضب شعبى ضد الغلاء أو البطالة، كما يجرى الآن، حين تحولت الشعارات الفئوية والاقتصادية إلى هتافات مناهضة للحكم الدينى والمرشد.
ستتكرر احتجاجات إيران ما لم تتغير معادلة الحكم، ويصبح منصب المرشد الأعلى مثل منصب ملكة بريطانيا (تشبيه استخدمته أكثر من مرة، ووصفه كثيرون بأنه خيالى ومثالى) يملك ولا يحكم، أى قائد لدية سلطة معنوية لا سلطة سياسية