استهداف الأزهر

استهداف الأزهر

استهداف الأزهر

 العرب اليوم -

استهداف الأزهر

بقلم : عمرو الشوبكي

إذا استهدفت مؤسسة من مؤسسات الدولة وأنت تعلم حال باقى المؤسسات، فإن هذا أمر مثير للقلق، وإذا تعاملت بشكل انتقائى فطالبت بإصلاح بعض المؤسسات وتركت الباقى على حاله فأنت تسير عكس الطريق الصحيح، وإذا ميزت بينها واعتبرت أن هناك مؤسسات يجب محاسبتها وأخرى فوق الدولة والقانون وفوق المحاسبة فإنك بذلك تهدد كيان الدولة ولا تحافظ عليه.

هذه البديهيات يبدو أنها غابت فى الحملة التى استهدفت مؤخرا الأزهر وشيخه الجليل أحمد الطيب حين ربطت بين الأزهر والإرهاب.

المؤكد أن الأزهر يحتاج إلى إصلاحات هيكلية عميقة، ويحتاج إلى نمط إدارة جديد يختلف عما عرفه على مدار عقود وربما قرون، ويحتاج بالحتم لتجديد فى خطابه الدينى ولغة أئمته ومشايخه ومراجعة لبعض مناهجه التعليمية، بعد الإقرار بأن هناك تطويرا حدث فى عهد الإمام أحمد الطيب لكثير من هذه المناهج، كما تأسس فى عهده مرصد حديث يضم كفاءات شابة قادرة على مخاطبة العالم ومواجهة الفكر المتطرف باللغات الأجنبية فى تحول لم يعرفه الأزهر من قبل.

وقد يرى الكثيرون أن الإصلاحات التى جرت فى الأزهر غير كافية، وهم محقون، لكنها حدثت فى وقت لم تشهد فيه باقى مؤسسات الدولة أى إصلاحات من أى نوع، وقد يرى البعض الآخر أن تجديد الخطاب الدينى أولوية لأن الإرهاب يجرى باسم الإسلام، والعالم يحتاج لمؤسسة عملاقة بوزن الأزهر لدحض هذه الأفكار (وهو يحدث) وتقديم صورة مختلفة أكثر عصرية وإنسانية للإسلام (لا يزال فيها قصور).

نقد الأزهر بغرض الإصلاح والتجديد والتطوير طبيعى، أما إذا كانت استهدافا لأسباب سياسية ترجع لاستقلاليته عن الأجهزة الحاكمة، حتى وصل الأمر بالإعلامى الأكثر تأييدا وتعبيرا عن المرحلة الحالية، أن يقول إن الأزهر مات ويلصق الأمر بكل تبجح فى الرئيس بالقول إنه أعلن وفاة الأزهر بتشكيل المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب، فهذه كارثة كبرى.

المفارقة أن من بين عشرات الآلاف من العناصر الجهادية والتكفيرية الذين تخرجوا فى التعليم الحكومى (يقدرون بثلاثين ألفا منذ السبعينيات وحتى بدايات هذا العقد) كان بينهم حوالى 10 فقط من خريجى المدارس الأزهرية فى مفارقة قد تجعل البعض يتأنى قليلا فى حكمه على الأزهر ويتوقف عن هذه اللغة التى تدمر كل أعمدة هذا البلد.

مسؤولية الخطاب الدينى والتفسيرات المنحرفة للنصوص الإسلامية عن الإرهاب الجديد محدودة، سواء كان فى مصر أو فى كثير من دول العالم، لأن هذا الإرهاب الجديد على خلاف إرهاب القرن الماضى هو إرهاب انتقام سياسى وتهميش اجتماعى بالأساس وعودته للنصوص الدينية هى فى اللحظات الأخيرة قبل الفعل الإرهابى لتبريرها لا صنعها (لأنها صنعت لأسباب سياسية واجتماعية).

الأزهر واجه فى تسعينيات القرن الماضى التفسيرات المنحرفة للنصوص الدينية التى لعبت دورا رئيسيا فى عنف نهايات القرن الماضى وخرجت مبادرات وقف العنف مستندة إلى تفسيرات مختلفة للنصوص الدينية، أما الآن فالإرهابيون الجدد كثير منهم لم يحفظوا آيتين من القرآن ولم يقرأوا مناهج الأزهر ولا غير مناهج الأزهر وحفظوا قشورا دينية تكفيرية عبر وسائل التواصل الاجتماعى وقرروا نتيجة مظالم سياسية واجتماعية وغسيل دماغ عابرا للحدود أن يتحولوا لانتحاريين وقتلة.

فالقضية لا تخص فقط مناهج الأزهر ولا فقط مناهج التعليم الحكومى ولا وضع الخطاب الدينى الذى يحتاج لتجديد وإصلاح لكى تتقدم هذه الأمة، وليس فقط لمحاربة الإرهاب، إنما أيضا قضية تخص الأداء السياسى والأمنى والأزمات الاقتصادية والاجتماعية وغياب التنوير وثقافة الإبداع التى تتطلب نظما ديمقراطية.

أخشى أن يكون البعض قد قرر محاسبة الأزهر على جوانبه الإيجابية (استقلاليته ولو النسبية نزاهة واستقامة شيخه) وليس سلبياته.

فسيبقى الأزهر إحدى أهم منارات هذا البلد، وأحد حصونه الفكرية والحضارية، فالحفاظ عليه واجب وطنى وليس فقط دينيا، وإن إصلاحه جزء من هذا الواجب.

المصدر : صحيفة المصري اليوم

arabstoday

GMT 04:46 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وقف إطلاق النار

GMT 00:14 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حوارات لبنانية

GMT 06:52 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

صفحة جديدة

GMT 10:17 2024 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

خطاب ترامب

GMT 05:30 2024 الأحد ,18 آب / أغسطس

الهدنة المرتقبة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استهداف الأزهر استهداف الأزهر



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab