بقلم - مصطفي الفقي
ليس المهم أن نعرف صورتنا ولكن الأكثر أهمية هى أن نعرف صورتنا لدى الآخر، ولست أشك فى أن صورة العرب لدى الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والدول المنضوية تحت لوائها هى صورة مهترئة لا تشكل رسالة قوية أمام الطرف الآخر، ولقد أثبتت حرب غزة الأخيرة بحمامات الدم وأكوام الأشلاء والحجم الضخم من الأكاذيب التى يطلقها الغير ضدنا ضرورة مراجعة كل ما يجرى حولنا، ونحن كعرب ندرك جيدًا الاستخفاف التاريخى من جانب الغرب تجاهنا وتآمره علينا وعبثه بثرواتنا وعدوانه على أرضنا وسفك دماء أبنائنا لأنه لم يجد رادعًا أو حائط صد يحول دون جرائمه، ويجب أن نعترف أننا على الجانب الآخر نعطيه ذريعة لما يفعل ونقدم له على طبق من فضة أسباب البطش بنا والعدوان علينا نتيجة تصرفات غير مدروسة ومواقف يدفعنا إليها من يكتشفون ضعفنا وهوان أمرنا رغم البسالة المنقطعة النظير التى يبادر بها أبناء الشعب الفلسطينى المناضل الذى لم يدخر وسعًا للسعى لتحرير وطنه وإقامة دولته المستقلة ولكن ذلك لم يشفع له للخروج من الدائرة الضيقة من القهر العنصرى والغطرسة والاستبداد التى تمارسها إسرائيل فى العقود الأخيرة، ولقد اكتشف الغرب - وصدقته إسرائيل - أننا لا نملك من أمرنا شيئًا وأننا نقول ما لا نفعل ونفعل ما لا نقول وأننا للأسف ظاهرة صوتية تم اكتشافها وفهم أقصى جهدها فتكالبت علينا الأطماع وتزاحمت فوق رءوسنا الخبطات من (سايكس بيكو) إلى وعد بلفور إلى هزيمة ١٩٤٨ ونكسة ١٩٦٧، ورغم إشعاع الضوء الذى انطلق من بلادنا عام ١٩٧٣ فى حرب العبور حيث لم يهزم العرب لأول مرة فى تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى بل وحققوا بحرب أكتوبر المجيدة انتصارًا مازال يؤرق دولة إسرائيل وجيشها الذى لا يقهر فإذا به يتلقى ضربات موجعة مرتين الأولى فى حرب النصر ٦ أكتوبر ١٩٧٣ والثانية فى ٧ أكتوبر 2023 إلا أن هناك ملاحظات تدور حول الحرب ونتائجها الدامية، ونتساءل هنا هل المطلوب هو إثبات الوجود أم تحقيق أهداف تتصل بتحرير الأرض وإقامة الدولة الفلسطينية؟ وأنا كعربى مصرى أتابع نظرة الغير لبلادى وأرى أنها لا تخلو من التحامل علينا والإساءة إلينا والطمع فينا فهم يحاولون ضرب المنطقة من كل اتجاه وأنا أشعر - أرجو أن أكون مخطئاً - أن هناك مخططًا خاصًا يستهدف الدولة المصرية فى إطار أزمة غزة الفلسطينية بمشروعات خبيثة وأفكار لا تستند إلى شرعية دولية كما أنها لا تحترم إرادة الشعوب بل ولا تستمع لصوت العقل، إن السعار الذى أصاب إسرائيل ورئيس وزرائها نيتانياهو قد جعلهم يشرعون فى سفك الدماء وهدم المدن وترويع الآمنين فى حدود تتجاوز مئات المرات مفهوم الدفاع الشرعى عن النفس وهو أمر أصبح واضحًا لكل ذى عينين ولكن الولايات المتحدة الأمريكية تغض الطرف عن كل ذلك إلى الحد الذى جعل رئيس دولتها الكبير يحضر مجلس الحرب الإسرائيلى ويشارك فى التخطيط الدائم للمعركة كما ظهر وزير خارجيته لكى يشعل مزيدًا من النيران ويطالب بالتوقف عن النداءات الدولية والإقليمية لوقف إطلاق النار التى قد تمتد آثارها إلى حرب كونية ولو بعد حين، ثم خرج علينا وزير إسرائيلى بدعوة جنونية لاستخدام قنبلة نووية من الترسانة الإسرائيلية لمحو غزة من الوجود وفى غمار كل ذلك نرى دولاً كانت صديقة للقضية الفلسطينية تتحول عنها سواء فى غرب أوروبا أو حتى فى الهند التى كانت نصيرًا تاريخيًا لحقوق الشعب الفلسطينى وأنا أدرك ذلك من عملى فى عاصمتها لأربع سنوات منذ أربعين عامًا أو أكثر، فالعنصرية والتعصب وشيوع خطاب الكراهية أصبحت كلها مفردات الحوار الدولى والعلاقات بين الأمم ولم يكن العالم مهددًا فى صميم السلم والأمن الدوليين كما هو الآن ولذلك فإن صورتنا لدى الآخر لا بد أن تتغير هى الأخرى ولا يحدث ذلك إلا بتحول حقيقى فى العقل العربى لكى يتواكب مع خطورة الأحداث وصعوبة المواقف لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وقد حان الوقت لكى نفيق من الممارسات البالية وعصور الظلام التى لاحقت تاريخنا وأغرت الغير بانتهاك سيادتنا والعدوان على أرضنا.. إننى أطالب بتشكيل وفد عربى على أعلى مستوى من الملوك والرؤساء والأمراء ينطلق من جلسة طارئة لقمة عربية يجرى الحوار فيها بلغة جديدة واقعية وحاسمة ويطلب الوفد الرفيع لقاء الرئيس الأمريكى وأركان الإدارة المختلفة فى واشنطن وليت ذلك يكون تحت مظلة مجلس الأمن لأن الوفد العربى يجب أن يحمل فى جعبته أفكارًا جديدة وحلولًا تحقق الحد الأدنى للطرفين الفلسطينى والإسرائيلى وتسمح بالحديث عن المستقبل وعن وجود مشترك فى هذه المنطقة من العالم ولا شك فى أن ترشيد القرار العربى والقدرة على التخاطب مع الآخر بلغةٍ يسمعها لأول مرة سوف يخرج بالجميع من هذا المأزق ويسمح ببداية التفكير فى تسوية شاملة وعادلة إذا صدقت النيات وخلصت النفوس وإن كان ذلك يبدو أمرًا بعيد المنال!